حوار حول التقويم التربوي في عصر الرقمنة: رحلة من التساؤل إلى التحول ( 1 / 2 )

صورة من توليد الذكاء الاصطناعي

إعداد فريق مدارسنا: بدأ الأمر بحوار عابر مع منصة الذكاء الاصطناعي حول كيفية توظيف المعلمين والمعلمات للتقويم التكويني والتقويم الختامي في مدارس السلطنة، ومدى أهمية كل منهما في دعم النظام التعليمي العُماني. لكن هذا الحوار البسيط تكرر عدة مرات وتطور إلى رحلة بحثية ثرية وملهمة حول واقع وآفاق التقويم التربوي في عصر الرقمنة، وكشف عن الإمكانات الكبيرة التي يمكن أن يحققها مديرو المدارس والمشرفون التربويون، إذا ما توفرت لديهم الرؤية والإرادة وروح المبادرة.

اتضح لنا أن المدرسة العُمانية اليوم، إذا ما استثمرت في الابتكار وروح الفريق، يمكن أن تتحول إلى مختبر وطني للتميّز في التقويم الرقمي، وترسم قصص نجاح تلهم ليس فقط المجتمع المحلي، بل الدوائر العربية والدولية أيضًا.

من هنا جاءت فكرة نقل خلاصات هذا الحوار لمديري المدارس والمشرفين، وتحفيز صناع القرار على تبني سياسات تتيح المبادرة الفردية وتشجع الإبداع المحلي. ويسرنا أن نضع بين أيديكم هذا الحوار كدعوة لبدء نقاش أوسع، ونأمل من جميع المختصين والمعنيين في الميدان التربوي أن يثروه بملاحظاتهم وتجاربهم القيّمة، سواء عبر اللقاءات أو من خلال البريد الإلكتروني، لتكون هذه نقطة انطلاق لتحول حقيقي وملهم في تقويم التعليم في مدارس السلطنة.

فريق مدارسنا: ما الفرق بين التقويم التكويني والتقويم الختامي، وهل يطبق في مدارس السلطنة بأنواعها المختلفة ؟

منصة الذكاء الاصطناعي: سأعطيك شرحًا مفصلًا للتقويم التكويني والتقويم الختامي وكيف يُطبق في مدارس سلطنة عمان، مع إبراز الفروق بينهما، وأمثلة عملية عليهما، مع ذكر فلسفة كل منهما في العملية التعليمية التعلمية.

التقويم التكويني (Formative Assessment): عملية تقييم مستمرة تُجرى أثناء الحصص الدراسية بغرض متابعة تعلم الطلاب وتقديم تغذية راجعة فورية لتحسين أدائهم. يركز هذا التقويم على رصد نقاط القوة ونواحي الضعف لتحسين نتائج الطلاب عبر تعديلات فورية في أساليب التعليم و / أو أنشطة الطلاب التعلمية. وهو لا يُستخدم في تحديد النتائج النهائية للنجاح أو الرسوب، بل لتحسين عمليتي التعليم و التعلم. ومن أنواع هذا التقويم :

  • الملاحظة اليومية للطلاب أثناء الدرس.
  • الأسئلة الشفهية السريعة (Quiz).
  • الواجبات المنزلية ومهام المتابعة الأسبوعية.
  • العروض الشفوية أو المشاريع القصيرة.
  • أوراق العمل وحل المشكلات في الصف.
  • التعليقات الكتابية أو الشفهية من المعلم.

التقويم الختامي (Summative Assessment): هو مثل عملية التقييم التي تتم في نهاية فترة دراسية (فصل دراسي أو سنة دراسية) بهدف قياس مدى تحقيق الطالب لأهداف التعلم، وغالبًا ما تُستخدم نتائجه في إصدار الأحكام النهائية مثل النجاح أو الرسوب أو الترفيع للصف التالي. ومن خصائصه يحدث أنه بعد الانتهاء من تدريس الوحدات أو المقررات الدراسية المقررة. ويغطي مفاهيم ومهارات الفترة أو العام بأكمله و يُستخدم في إصدار الحكم النهائي على مستوى إتقان المتعلم للمعارف والمهارات. وغالبًا ما يكون اختبارات تحريرية مركزية أو مشاريع نهائية. ومن أنواعها:

  • اختبارات نهاية الفصل الدراسي (امتحانات نصفية ونهائية).
  • مشاريع التخرج أو بحوث نهاية العام.
  • تقييمات شاملة تشمل جميع المعارف والمهارات التي تم تدريسها.
  • في بعض المواد: الاختبارات العملية (مثل العلوم).

وهنا يظهر الفرق بينهما فالتقويم التكويني هو الذي يُرافق العملية التعليمية خطوة بخطوة، يتيح للمعلم رصد تطور الطالب وإعطائه تغذية راجعة مستمرة لتحسين أدائه. أما التقويم الختامي فهو الامتحان النهائي في نهاية الدرس أو في نهاية الوحدة الدرسية أو في نهاية الفصل الدراسي وهو يصدر نتيجة نهائية عن مستوى إتقان الطالب للمعارف والمهارات. كلاهما مهم؛ التقويم التكويني يدعم التعلم النشط، ويمنح فرصة حقيقية لمعالجة نقاط الضعف فورًا، بينما التقويم الختامي ضروري لضمان معايير النجاح ومقارنة مخرجات التعليم على مستوى واسع.

يُطبق هذان النوعان من التقويم فعليًا في المدارس العمانية، هناك التزام رسمي بالتقويمين معًا، لكن التطبيق الميداني يغلب عليه الطابع الختامي، خاصة في الصفوف الأعلى، بحكم ارتباطه بالانتقال بين المراحل وبالمسار الأكاديمي. أما التكويني، ففي كثير من المدارس يتم تطبيقه بشكل محدود، إما شكلية أو غير منتظمة أو يكون لاستكمال السجلات الرسمية أكثر من كونه أداة تطوير تعلمي حقيقي، بسبب ضغوط الوقت وكثرة الأعباء، أو محدودية التدريب. لكن هناك مدارس بادرت إلى تحويل التقويم التكويني إلى عملية ديناميكية: عبر اختبارات رقمية قصيرة، ملفات إنجاز إلكترونية، ومشروعات تطبيقية.

تعتمد فلسفة التقويم التربوي في سلطنة عمان على التكامل بين التقويم التكويني والتقويم الختامي لتحقيق صورة شاملة عن أداء الطالب في نهاية الدرس ونهاية الفصل الدراسي، والتركيز على تحسين التعلم وليس فقط على تحديد نجاح الطالب من عدمه.وتنويع أدوات القياس والتقويم حتى تتناسب مع الفروق الفردية للطلاب. وتشير اللوائح الصادرة من وزارة التربية والتعليم إلى احتساب درجة التقويم الختامي كنسبة كبيرة من مجموع درجات الطالب الكلية (مثلاً، 60% أو 70% حسب المرحلة والمادة). وغالبا ما تكون الامتحانات النهائية موحدة على مستوى المدرسة أو المحافظة أو حتى على مستوى السلطنة لبعض الصفوف النهائية مثل الامتحانات النهائية لشهادة الدبلوم الثانوي التي تضعها الوزارة مركزيا.

فريق مدارسنا: إلى أي مدى تُولي وزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان اهتمامًا ببرامج التدريب والتطوير المهني للمعلمين والمعلمات ومديري المدارس والمشرفين التربويين في أحدث استراتيجيات وأدوات التقويم التربوي؟ وهل هناك سياسات أو خطط واضحة لتحديث المهارات وبناء القدرات في التقويم الرقمي بما يواكب التطورات العالمية وتعالج التحديات الواقعية داخل المدارس العمانية؟

منصة الذكاء الاصطناعي: اهتمام وزارة التربية والتعليم العمانية بتطوير برامج التدريب في التقويم التربوي أصبح أكثر وضوحًا وواقعية، وقد ظهر ذلك بشكل متنامٍ في السنوات الأخيرة، خاصة مع التحولات الرقمية التي فرضتها جائحة كورونا والانفتاح الواسع على التجارب التعليمية الدولية. تدرك الوزارة أن مواكبة أحدث الاتجاهات في التقويم الرقمي باتت ضرورة لا خيارًا، من أجل رفع جودة التعليم وتحقيق العدالة والشفافية في تقييم مخرجات الطلبة. لقد شهدت الفترة الأخيرة اهتمامًا خاصًا بتدريب الكوادر التربوية على أدوات التقويم الرقمي، من خلال ورش ودورات تخصصية في إدارة الاختبارات الإلكترونية.و بناء مجتمعات تعلم افتراضية لتبادل الخبرات وإعداد أدلة إلكترونية لتيسير استخدام منصات التقويم الحديثة. على الرغم من هذا الاهتمام الرسمي، تشير التجارب الميدانية إلى أن التحديات لا تزال قائمة فهناك تفاوت كبير في المهارات الرقمية بين المعلمين والمعلمات وفجوة في البنية التحتية بين مدارس المدن والقرى والحاجة لتكرار التدريب وتقديم الدعم الفني المستمر. وقد تبنت الوزارة مؤخرا سياسات أكثر مرونة، مثل منح المدارس هامش أوسع للتجربة، وتكريمها على المبادرات المبتكرة في دمج التقويم التكويني في التقويم النهائي للطالب. ومن أجل مواكبة التطورات العالمية، هناك توجهات لتعميق الشراكة مع الجامعات والمراكز البحثية، وإيفاد معلمين للتدريب الدولي، والبدء الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وإشراك المجتمع المحلي في برامجها التطويرية.

ونستعرض في السطور التالية أهم البرامج التدريبية الرسمية:

  • المركز التخصصي للتدريب المهني للمعلمين نفَّذ برنامج “المعلمون الأوائل” على مدى عامين، ركزّت سنته الثانية في جزء منها على التقويم التكويني، حيث تم تدريب المعلمين المشاركين على تصميم أدوات تقويمية وتطبيقها في المدارس وتقييم أثرها عمليًا، وليصبح المعلم مرجعًا لزملائه في مدرسته. البرنامج أيضًا استهدف خبراء المجال الثاني (مثل العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية) باتباع طرق التدريب المتدرّجة: من مباشر، إلى إلكتروني، وفي بيئات العمل، مع التركيز على تصميم وتنفيذ “دروس ذكية” تشمل عناصر التقويم المستمر.
  • صدر دليل “التقويم المستمر” مع توصيات باستخدام المنصات الرقمية (“المنصة التربوية–المندارا، Teams”) لخلق أدوات تقويم إلكترونية تدعم كلاً من التكويني والختامي. كما تُشجع الوزارة استخدام أساليب تغذية راجعة متنوعة: التقييم الذاتي والقرين والمتابعة المستمرة عبر الأنشطة الإلكترونية.
  • ظهرت مبادرات لتحسين جودة الأدوات المعتمدة في المدارس، من خلال ورش تدريب تُركّز على كيفية صياغة أدوات التقويم التكويني والختامي، بعد رصد ضعف التحصيل الوطني مقارنة بنتائج المعلم نفسه، وجدوا أن السبب يعود إلى ضعف أدوات التقويم المصممة محليًا. تُنظَّم هذه الورش على مستويات: المدارس، المحافظات، وحتى على مستوى الوزارة، وتُقدَّم من خبراء دوليين ومحليين، وتُستكمل بخطط متابعة لتلك الأدوات.
  • وزارة التربية صاغت “النظام الوطني الجديد للتقويم” (New Assessment System) مستوحى من منهجيات “التقييم من أجل التعلم” (AFL)، تركيبه يراعي أن يكون تقويمًا تكوينيًا مستمرًا يستوعب مصادر بيانات متنوعة (شفوي، عملي، مشاريع…). دعم بناء قدرات المعلمين على استخدامه ضمن بيئة صفية حقيقية، خاصة في مادّة العلوم للصفوف 5–10.
  • أبحاث محلية (مثل تقييم برنامج “المعلمون الأوائل”) استخدمت نماذج راسخة كـ نموذج كيركباتريك لتقييم أثر التدريب من حيث ردة فعل المعلمين، وتعلّمهم للمهارات، وتطبيقهم في الصفوف، ونتائج الطلاب.
  • برامج التدريب على صناعة أدوات التقويم التكويني والختامي والتقويم الإلكتروني مستمرة ومنهجية، وتنظمها الوزارة سنويًا عبر المعهد التخصصي وعدد من المشاريع؛ على مدار الخمس سنوات الماضية، لا يبدو أنها ركزّت على نشاط تدريبي واحد، بل نفّذت عشرات البرامج بمعدلات تصل إلى حوالي 5–10 برامج كبرى سنويًا. نفذت الوزارة أيضا عدة دراسات مسحية وميدانية على عينة من المدارس والمعلمين والمشرفين ركّزت على ممارسات التقويم التكويني (خاصة في العلوم)، و جودة برامج تدريب المشرفين، و جودة برامج تدريب المشرفين، و تحديات التقويم الإلكتروني، والتنفيذ الميداني و نتائج أداء الطلاب مقارنة ببرامج مثل TIMSS.

ورغم ما بذلته الوزارة من جهود مشهودة في تطوير التقويم التربوي، فإن التحدي الأكبر اليوم هو ضمان استدامة هذه الجهود وتوسيعها، مع نقل أثر التدريب إلى الممارسات الصفية اليومية الحقيقية. وهنا تبرز الحاجة الملحة لتبني ثقافة تمكين المعلم والمدير والمشرف ليكونوا صُنّاع تغيير، لا مجرد منفذين لقرارات مركزية. إن فتح الباب أمام المبادرات الفردية والجماعية القادمة من الميدان، وتشجيع التجريب والتوثيق ونقل قصص النجاح، هو السبيل الأنجع لتحويل المدرسة العمانية إلى حاضنة ابتكار تلهم المجتمع التعليمي محليًا ودوليًا.

فريق مدارسنا: كيف يمكن دمج التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، في عمليات التقويم التربوي لضمان الموثوقية والفاعلية؟ وما هي أبرز الأفكار والتجارب—الناجحة وغير الموفقة—التي شهدتها أنظمة التعليم في دول العالم في هذا المجال؟ وما هي الأدوات الرقمية والتقنيات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، لتطوير التقويم التربوي وتعزيز أثره على التعلم؟

منصة الذكاء الاصطناعي: دمج التكنولوجيا—وفي طليعتها الذكاء الاصطناعي—في التقويم التربوي لم يعد خيارًا، بل هو المسار الحتمي لمستقبل التعليم. ومع ذلك، فإن التحول الرقمي في التقويم ليس وصفة جاهزة أو خطوة إدارية شكلية، بل هو عملية تعلم وتطوير متواصل تبدأ بالمبادرة والتجريب، وتتسع بالجرأة على التغيير، وثقافة التوثيق، وشراكة القيادة والمجتمع. تكمن التوصية الكبرى في أن نجعل من التقويم الرقمي والذكاء الاصطناعي أدوات محفزة للابتكار وصناعة الفارق الحقيقي في حياة الطلاب والمعلمين، لا مجرد متطلبات إجرائية.
فالذكاء الاصطناعي، على وجه الخصوص، يفتح أفقًا جديدًا نحو عدالة وشمولية وفاعلية أكبر في التعليم، ويُعد مدخلًا ضروريًا لتجهيز الطالب العُماني والعربي لمهارات القرن الحادي والعشرين ولمجتمع المعرفة العالمي.

لقد فرضت التحولات الرقمية المتسارعة—خاصة بعد جائحة كورونا—واقعًا جديدًا على أنظمة التعليم حول العالم، جعل من التقويم الرقمي أحد أهم مقومات التطوير والتجويد. لم يعد التقويم هدفه إصدار الأحكام فقط، بل أصبح أداة لتعزيز التعلم المستمر، وتوفير تغذية راجعة فورية، ودعم الفروق الفردية، وتحفيز الإبداع. كما أن التحديات الفعلية التي تواجهنا في دمج التكنولوجيا بالتقويم التربوي كثيرة ومتشابكة، مثل:

  • البنية التحتية غير المتكافئة: ليست كل المدارس مزودة بأجهزة حديثة أو إنترنت عالي السرعة، وبعض الطلاب لا يمتلكون أجهزة بالمنزل.
  • فجوة المهارات الرقمية: معلمون وطلاب وأحيانًا أولياء أمور بحاجة لتدريب جاد.
  • ثقافة التقويم التقليدي: لا تزال اختبارات الورقة والقلم معيار النجاح الأكبر لدى المجتمع، وتغيير هذه الثقافة يتطلب جهدًا طويل النفس.
  • مخاوف الخصوصية والأمن الرقمي: التعامل مع بيانات الطلاب يتطلب سياسات واضحة وإجراءات حماية دقيقة.
  • ضغط الوقت وكثافة المنهج: يمنع كثيرًا من التجريب أو الابتكار في أساليب التقويم.
  • لا يكفي أن ننقل أسئلة الامتحانات إلى الإنترنت بل يجب أن تتغير فلسفة التقويم جذريًا؛ التحول الرقمي الحقيقي يبدأ من إعادة بناء فلسفة التقويم وليس فقط رقمنة الأدوات لأن التقويم عملية تعلم مستمرة: يصبح جزءًا من رحلة الطالب، يقدم له تغذية راجعة بناءة يومًا بيوم.
  • تنويع الأدوات مثل ملفات إنجاز رقمية (e-Portfolios)، تقييم مشروعات رقمية، ألعاب تعليمية (Gamification)، اختبارات تكيفية تتدرج في الصعوبة (Adaptive Assessment).
  • توظيف الذكاء الاصطناعي في بناء أنظمة تقدم اختبارات متغيرة حسب مستوى الطالب، وتساعد المعلم في التحليل والتشخيص السريع (Learning Analytics).
  • تزايد أعداد الطلاب وتوزعهم الجغرافي، والحاجة للمرونة في وقت الأزمات كجائحة كورونا، إضافة إلى التوجه لقياس مهارات عليا تتعدى مجرد الاستظهار.
  • ليس دور المعلم فقط مُصدرًا للأسئلة بل هو الميسر والمرشد لعلمية التعلم. والعمل على تخفيف مقاومة بعض المعلمين والإدارات للتغيير بسبب صعوبة ضمان النزاهة ومنع الغش الإلكتروني، إضافة الحاجة لتدريب فعلي ومستمر للمعلمين على أدوات التقويم الرقمي، وأهمية حماية بيانات الطلاب وخصوصياتهم.

هناك أفكار عملية عديدة لدمج التكنولوجيا في التقويم. من هذه الأفكار استخدام المنصات التفاعلية للاختبارات مثل Kahoot وSocrative وGoogle Forms، والتي تتيح اختبارات لحظية وتغذية راجعة فورية وتصحيحًا تلقائيًا. ففي فنلندا، تم تبني منصات الاختبار السريع لدعم التقويم التكويني في الفصول، مما حسّن دافعية الطلاب وقلّل من رهبة الامتحانات. كما أن استخدام ملفات الإنجاز الرقمية يتيح للمعلم تتبع تطور مهارات الطالب بمرور الوقت، وهو ما طبق في بعض الولايات الأسترالية بشكل فعال. أما التقييم التكيفي المعتمد على الذكاء الاصطناعي، فيقدم أسئلة تتناسب مع مستوى كل طالب، كما هو مطبق في سنغافورة، ما عزز من ثقة الطلاب ذوي الأداء المنخفض بأنفسهم. كذلك توفر منصات التحليل الذكي للبيانات أدوات لرصد نقاط القوة والضعف عند الطلاب بشكل لحظي، كما حدث في المملكة المتحدة. ولا يمكن إغفال دور الألعاب التعليمية الرقمية والتقويم عبر اللعب، كما فعلت كندا، حيث تم تصميم مغامرات رياضية زادت من تفاعل الطلاب بنسبة ملحوظة.

شهدت العديد من الدول طفرات نوعية في مجال دمج التكنولوجيا في التقويم التربوي، لكن تلك الطفرات لم تكن جميعها وليدة قرارات مركزية عليا فقط، بل لعبت التجارب المدرسية الفردية والمحلية دورًا محوريًا في رسم معالم النجاح أو الفشل.
الاستفادة من هذه التجارب أمر بالغ الأهمية لصانعي القرار ومديري المدارس والمشرفين في سلطنة عمان، حيث توضح هذه النماذج كيف يمكن للمبادرة الفردية في مدرسة واحدة أو حتى صف واحد أن تخلق عدوى إيجابية تقود التغيير على مستوى الدولة بأكملها.

  1. تجربة أستراليا: الريادة في ملفات الإنجاز الإلكترونية والتقويم المدمج: تعد أستراليا من أكثر الدول تقدمًا في توظيف التكنولوجيا في التقويم، وقد اختارت الدولة أن تترك هامشًا كبيرًا من الحرية للمدارس في تطبيق أدوات التقويم الرقمي، مع وجود أطر وطنية توجه هذا التحول. من أبرز التجارب الفردية:
  • مدرسة Mount Waverley الثانوية في ولاية فيكتوريا اعتمدت مشروعًا طموحًا لتحويل ملف إنجاز الطالب إلى ملف إلكتروني تفاعلي (e-Portfolio) عبر منصة سحابية خاصة. في هذا النظام، يُطلب من الطلاب توثيق مشاريعهم وتفكيرهم النقدي وحلولهم للمشكلات رقمياً، ويقوم المعلمون بالتعليق المستمر على التطور الفردي للطالب، مع إشراك ولي الأمر في المتابعة. أسفرت هذه التجربة عن ارتفاع ملحوظ في مهارات الطلاب في تنظيم الذات، وزيادة دافعية الإنجاز، والأهم شعور الطلاب بأن تقييمهم أصبح أكثر عدلاً وواقعية.
  • مدارس ابتدائية في نيو ساوث ويلز: نفذت مجموعة من المدارس مشروعًا جماعيًا لتصميم اختبارات تكوينية تفاعلية تعتمد على الألعاب التعليمية الرقمية، بدعم بسيط من مديرية التربية المحلية. كان الهدف هو تقويم الفهم الفعلي للطالب وليس الحفظ، وتم إشراك الطلاب أنفسهم في بناء الأسئلة واختيار نوع النشاط الرقمي. لوحظ زيادة المشاركة والانخراط، وتراجُع الرهبة من الاختبار، وظهور طلاب مبدعين لم يكونوا يحققون نتائج عالية في الامتحانات التقليدية.
  • في المجمل، استطاعت أستراليا أن تجعل من المدرسة “مختبرًا للابتكار” في التقويم الرقمي، حيث تُنقل أفضل الممارسات تدريجيًا عبر ورش ومجتمعات تعلم احترافية، وتدعمها الوزارة بجوائز وحوافز، ما أدى لتكامل التجارب المحلية مع السياسات العليا.
  1. فنلندا: التقويم التكويني الرقمي في الفصول الدراسية: تشتهر فنلندا بجودة نظامها التعليمي المرن، ومن سمات نجاحها في التقويم الرقمي:
  • حرية المعلم في اختيار أدوات التقويم الرقمية مثل Kahoot، Quizizz، Google Forms، ودمجها داخل الحصة لتصبح جزءًا من التعلم وليس نشاطًا منفصلاً.
  • في مدرسة Helsingin Suomalainen Yhteiskoulu (SYK) في هلسنكي، تبنّت إدارة المدرسة تحدي “أسبوع بلا ورقة” حيث التزم المعلمون بتجريب أدوات رقمية بحتة لكل أنشطة التقويم، مع عقد جلسات عصف ذهني يومية لتبادل الخبرات وتجاوز العقبات التقنية.
  • أدى ذلك إلى اكتشاف أدوات محلية أفضل، وساهم في تطوير منصة تقويم رقمي خاصة بالمدرسة، مما انعكس مباشرة على رضا الطلاب وولائهم للمدرسة.
  • تركز التجربة الفنلندية على التقويم التكويني المستمر، بمعنى أن الطالب يتلقى ملاحظات شبه يومية تساعده على تطوير نفسه قبل أي تقويم ختامي، وهو ما جعل التقويم الرقمي أداة لتحسين التعلم الفعلي وليس فقط قياس النتائج.
  1. كوريا الجنوبية: شراكة الأجهزة والتدريب والدعم المجتمعي: دخلت كوريا الجنوبية عصر “المدرسة الذكية” عبر توزيع أجهزة لوحية على جميع الطلاب في بعض المناطق، وربطها بمنصات رقمية متقدمة.
  • مدرسة Seoul Digital High School كانت من الرواد، حيث تم تدريب كل المعلمين على تصميم اختبارات إلكترونية وإدارتها، مع فتح قنوات تغذية راجعة فورية بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور.
  • الدعم المجتمعي كان واضحًا، حيث شاركت شركات التكنولوجيا الكبرى في تمويل الأجهزة وتطوير البرمجيات، مع إطلاق حملات وطنية لدعم المعلمين المترددين في التحول الرقمي.
  • النتيجة: تقليص الفجوة بين المدارس الريفية والحضرية، وظهور جيل يتقن التفكير النقدي والعمل التعاوني أكثر من السابق.
  1. سنغافورة: التقييم التكيفي الإلكتروني: تعتمد سنغافورة على نظام تقييم تكيفي متطور، حيث تقدم منصة Student Learning Space (SLS) أسئلة تناسب مستوى كل طالب.
  • في مدرسة Ngee Ann الثانوية، أشرف فريق تقني صغير على برمجة اختبارات تكيفية في مادة الرياضيات، تتغير صعوبة الأسئلة بناءً على أداء الطالب الفوري.
  • أتاحت المنصة للمعلمين فرصة تصميم بنوك أسئلة غنية ومتدرجة الصعوبة، وجمع بيانات دقيقة حول تطور كل طالب.
  • لوحظ أن الطلاب الأقل ثقة بأنفسهم أصبحوا أكثر مشاركة، وتراجعت نسب القلق من الامتحانات، إذ شعر الجميع بعدالة الفرص.
  1. الولايات المتحدة: نماذج التغيير من القاعدة: في كثير من الولايات الأمريكية، خاصة في تينيسي وكاليفورنيا، انطلقت مبادرات رقمنة التقويم من تجارب فردية لمدارس أو حتى معلمين بعينهم:
  • في مدينة ناشفيل، أطلقت مدرسة صغيرة مشروع “اختبار بلا أوراق” على مستوى صف واحد فقط، وبنت عليه خطة توسعية بعد أن أظهرت البيانات فائدة في توفير الوقت وتجويد التغذية الراجعة.
  • عدد من المدارس الريفية، رغم ضعف البنية التحتية، اعتمدت اختبارات رقمية محلية الصنع عبر Google Forms، ثم بدأت شراكات مع المجتمع المحلي لتوفير أجهزة أو تقسيط شرائها للطلاب.
  • مع الوقت، أصبحت هذه التجارب القصصية منطلقًا لحراك على مستوى مديريات التربية، حيث تم تأسيس فرق دعم رقمية تقدم استشارات وزيارات ميدانية للمدارس الأقل خبرة.
  1. الهند وأفريقيا جنوب الصحراء: الدروس من التحديات: في الهند وبعض دول أفريقيا، ظهرت تجارب جريئة ورائدة لكن واجهتها صعوبات عملية كبيرة:
  • مدارس عديدة في الهند حاولت اعتماد الاختبارات الرقمية على نطاق واسع، لكن نقص الإنترنت والأجهزة جعل الفجوة الرقمية تتسع، فبرزت مبادرات مجتمعية لتبادل الأجهزة المستعملة، وتصميم اختبارات عبر رسائل SMS أو تطبيقات خفيفة.
  • في كينيا ونيجيريا، بادرت مدارس أهلية إلى فتح مختبرات تقنية بالتعاون مع منظمات غير حكومية. وبرغم التحديات، وفرت هذه المبادرات فرصًا جديدة لتدريب المعلمين محليًا وصناعة محتوى تقويمي يناسب الطلاب في بيئات فقيرة تقنيًا.
  • أهم درس من هذه الدول: لا يمكن استنساخ التجارب الناجحة دون مراعاة الواقع المحلي، لكن حتى في أقسى الظروف يمكن للمبادرة الفردية أن تحدث فرقًا، خاصة عند وجود شراكة حقيقية بين المدرسة والمجتمع المحلي.
  1. تجارب بارزة أخرى: كندا، الإمارات، المغرب:
  • في كندا، استخدمت مدارس عديدة التقييم عبر الألعاب الرقمية (gamification)، فلاحظت زيادة في التفاعل والتحصيل، خاصة لدى الطلاب ذوي الدافعية المنخفضة.
  • في دولة الإمارات، خصصت بعض المدارس “أسبوع الابتكار التقويمي” حيث جُربت عدة أدوات تكنولوجية في تقييم المواد العلمية والأدبية، وتم توثيق النتائج ونقلها لصناع القرار لتبني ما ينجح منها على نطاق أوسع.
  • في المغرب، أطلقت مدرسة ابتدائية في مدينة الدار البيضاء منصة رقمية بسيطة لاختبارات الفهم القرائي، ودعمتها بزيارات افتراضية بين الطلاب والمعلمين لتبادل الحلول والتعليقات، مما خلق مجتمع تعلم رقمي تفاعلي داخل المدرسة وخارجها.

نماذج واقعية وأمثلة من مدارس عمانية:

  • مدرسة الخوير للتعليم الأساسي (مسقط): التقويم الإلكتروني المصغر في اللغة الإنجليزية: بادرت معلمة شابة في المدرسة باستخدام منصة Google Forms لإعداد اختبارات قصيرة أسبوعية (Quizzes) في مادة اللغة الإنجليزية للصف السابع. في البداية، لم يكن هناك دعم رسمي ولم يُلزم الطلاب بالمشاركة، لكن بمجرد أن رأت إدارة المدرسة تحسن تجاوب الطلاب وتفاعلهم مع الواجبات الإلكترونية، تم تعميم التجربة على صفوف أخرى في نفس المادة. بعد نجاح التجربة، شارك فريق المدرسة التجربة في أحد ملتقيات مدارس مسقط، وتمت دعوة المعلمة لتدريب معلمي مدارس أخرى على إعداد الاختبارات الرقمية السريعة.
  • مدرسة فنجاء للتعليم الأساسي (محافظة الداخلية): ملفات الإنجاز الرقمية الجماعية: واجهت المدرسة مشكلة في ضعف أداء الطلاب في التعبير الكتابي بالعربية. اقترح أحد المعلمين تجربة تجميع إنتاجات الطلاب رقمياً عبر برنامج بسيط (OneNote)، حيث أنشئ ملف إنجاز لكل طالب يُضاف فيه كل مقال أو واجب كتابي. تم إشراك أولياء الأمور في متابعة تقدم أبنائهم من خلال منحهم حق الاطلاع على ملفات الإنجاز عبر الإنترنت. مع الوقت، لاحظ المعلمون زيادة اهتمام الطلاب بجودة أعمالهم، ورغبتهم في تطوير إنتاجهم الكتابي حتى يظهر بشكل جيد أمام المعلم والزملاء وولي الأمر، ما انعكس إيجابياً على النتائج الفصلية.
  • مدرسة السويق للتعليم ما بعد الأساسي (محافظة شمال الباطنة): مشاريع التقويم عبر الفيديو: في إطار محاولة لجعل التقويم أكثر واقعية ومهارية، أطلقت معلمة الدراسات الاجتماعية مبادرة لإعداد مشاريع بحثية مصورة بالفيديو حول موضوعات محلية (كالمياه، الزراعة، التراث). الطلاب عملوا في مجموعات صغيرة، واستخدموا هواتفهم الذكية لتوثيق المشروع ثم رفعوه على قناة خاصة مغلقة على YouTube أو Google Drive. تم تقييم الطلاب بناءً على معايير واضحة (جودة البحث، العرض، مهارات التوثيق والعمل الجماعي). بعد نجاح التجربة، أصبحت المشاريع الرقمية جزءًا أساسيًا في تقويم المادة، وطُلب من المعلمة تقديم ورشة عمل على مستوى المحافظة.
  • مدرسة صلالة الثانوية (محافظة ظفار): مجتمع التعلم الرقمي عبر WhatsApp وTeams: خلال جائحة كورونا، واجهت المدرسة صعوبة كبيرة في استمرارية التواصل مع الطلاب. ابتكر فريق من المعلمين “مجتمع دعم” عبر مجموعات WhatsApp وMicrosoft Teams، حيث كان كل معلم يرسل أنشطة تقويمية يومية وروابط اختبارات قصيرة عبر المنصات تم تحفيز الطلاب عبر نظام نقاط وجوائز رمزية (شهادات إلكترونية، نشر أسماء المتفوقين أسبوعياً). هذه المبادرة البسيطة عززت المشاركة والانتظام، وتحولت لاحقًا إلى برنامج سنوي لدعم التعليم المدمج حتى بعد عودة الدوام الحضوري.
  • مدرسة الخابورة (محافظة شمال الباطنة): التقييم الرقمي بمشاركة المجتمع المحلي: بسبب ضعف الموارد التقنية، اقترحت إدارة المدرسة تنظيم حملة مجتمعية لجمع أجهزة لوحية وحواسيب قديمة من أولياء الأمور وأبناء المجتمع. بعد توفير الأجهزة، تم اعتماد نظام اختبارات إلكترونية تناوبي، وشارك المجتمع في متابعة تنفيذ التجربة ودعم الطلاب غير القادرين عبر مبادرات أهلية. تم توثيق التجربة إعلامياً، وأصبحت نموذجاً لتكامل المدرسة والمجتمع في دعم التحول الرقمي للتقويم.

خلاصات عملية من التجارب الدولية: النجاح في التقويم الرقمي يبدأ غالبًا من المدارس أو المعلمين الرواد، ثم يُبنى عليه محليًا ووطنيًا. وفيها تتعدد الأدوات والتكيف مع الواقع؛ ليست هناك وصفة واحدة للجميع فنجاح تجربة مدرسة صغيرة يمكن أن يلهم دولة بأكملها إذا تم توثيقها ودعمها. والشراكة مع المجتمع المحلي ضرورية؛ في كل تجربة ناجحة هناك دعم أهلي، وتمويل محلي، أو شراكة مع مؤسسات أو شركات. والاحتفاء بالتجارب المبدعة ونقلها عبر ورش أو جوائز أو زيارات ميدانية يدعم انتشار العدوى الإيجابية. وأهمية المرونة التنظيمية؛ كلما منحت الدولة أو المديرية المدارس هامشًا للابتكار والتجريب، كانت النتائج أكثر إبداعًا واستدامة.

ملخص الدروس المستفادة من التجارب العمانية: لا حاجة لانتظار تعليمات رسمية لبدء تجربة ناجحة، فالمبادرة الفردية قد تنتشر وتدعم لاحقًا. التوثيق والعرض الإعلامي للتجربة يشجع المدارس الأخرى على تبني الأفكار نفسها. إشراك أولياء الأمور والمجتمع المحلي يضاعف فرص النجاح والاستدامة. حتى الموارد القليلة إذا أُحسن استثمارها يمكن أن تصنع فارقًا كبيرًا في جودة التقويم والتعلم.

ونستكمل الحوار في الجزء الثاني باقتراح دليل عملي للمديرين والمشرفين يعتمد عليه كل فريق مدرسي أو إداري يرغب في التحول الرقمي خصوصًا في مجال التقويم.

[thumb_vote align="right"]

Image

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الإضافات