أرض الغاوكاو المقدسة… مدرسة صينية فوق العادة

إيلاف: مَن منّا لم يتذمر من الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى المدرسة أو عاد مرهقاً من سبع أو ثماني ساعات تمر عليه كأنها سنوات؟
طلاب المدارس يعانون من البرنامج الدراسي ويتأففون من ثقل الحقائب، لكن من لم يتعلم في مدارس الصين لا يعرف المعنى الحقيقي للمعاناة.

يكفي أن طلاب هذه المدارس وصفوها بـ”الجحيم”، فمعاناتهم في صفوفها تدوم طوال 17 ساعة لا يفصلها سوى نصف ساعة لتناول الطعام، فيما يفكر المسؤولون بإلغاء استراحة الحمام لصالح المزيد من التعليم!

يخضع نحو 9 ملايين طالب صيني سنوياً لامتحان يعرف بـ”الغاوكاو” وهو عبارة عن اختبار دخول للجامعات يدوم يومين أو ثلاثة أيام ويغطي مواد تعليمية مختلفة من الرياضيات، اللغة الأجنبية، الكيمياء، الفيزياء، الجغرافيا والتاريخ إلى جانب المواضيع الأخرى.

وبما أن الآباء غالباً ما يتوقعون من أطفالهم أن يصحبوا معيلي الأسرة، فانهم غالباً ما يضغطون عليهم ليحققوا معدلات دراسية مرتفعة تضمن دخولهم إلى أفضل الجامعات، وبالتالي الحصول على أعلى المراكز والوظائف.

حصص غاوكاو للدراسات العالية هي خطوة نحو هذا الامتحان الذي يخول الطلاب الدخول إلى الجامعات، إذ يتدفق ملايين المتقدمين للاختبار الذي يحدد مستقبلهم، ومستقبل عائلاتهم.

للاستعداد لهذا الامتحان الشاق، يدخل الطلاب إلى مدارس مختصة بتعليم مواد الاختبار، تكاد تكون صفوفها أصعب من الغاوكاو نفسه.
مدرسة “ماوزونغ” الثانوية، تقبع بعيداً في بلدة ماوتناشانغ الصغيرة في جبال مقاطعة آنهوي وسط الصين، وتتخصص في فن الإعداد لهذا الاختبار بأسلوب “عسكري ظلامي” إذا صح القول.

وبلغ عدد الملتحقين سنوياً بهذه المدرسة أكثر من 10 آلاف طالب، فازوا بشرف الحصول على التعليم في ما أطلق عليها لقب “أكبر مصنع غاوكاو في الصين”.

نشرت صحيفة “شباب الصين اليومية” مقالاً عن هذه المدرسة تحول إلى ظاهرة انتشرت عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، لا سيما وأنها نقلت الكثير من معاناة الطلاب والظروف القاسية التي يضطرون لمكابدتها للاستعداد لخوض امتحان غاوكاو.

بلدة ماوتانشانغ التي يبلغ عدد سكانها نحو 5 آلاف صيني، تصبح موطناً لأكثر من 50 ألف شخص خلال فصول الدراسة، إذ يتدفق الطلاب على مدرسة “ماوزونغ” التي تكتظ بجحافل المنتسبين مما يضطر المعلمين لاستخدام مكبرات الصوت لشرح الدروس.

يبدأ اليوم الدراسي عند الساعة 6:10 صباحاً ويمتد حتى الساعة 22:50 مساءً يخضع فيه الطلاب لساعات طويلة ومرهقة من المحاضرات التي لا نهاية لها وامتحانات متكررة تتوقف فقط لمدة 30 دقيقة لتناول الطعام وساعة واحدة من الراحة. وقد اقترح بعض المدرسين إلغاء استراحة الحمام من أجل “إدارة أسهل”.

ما ان انتشر هذا التقرير حتى انهالت التعليقات على المواقع الاجتماعية من أناس يقولون انهم من خريجي المدرسة التي وصفوها ساخرين بـ”أرض الغاوكاو المقدسة”.

وقالت إحداهن: “أتذكر زميلاً لنا ضبط وهو يستخدم الإنترنت بدلاً من الدراسة، فاعتقل وأعيد إلى مسقط رأسه في سيارة للشرطة مع دوي صفارات الانذار”، فيما اشار طالب سابق إلى أن المقال تناول القشور فقط ولم يصل إلى المعاناة الحقيقية للطلاب الذين واجهوا العقاب البدني وحاول العديد منهم الانتحار بسبب الضغوط التي تعرضوا لها.

لكن هذا لم يمنع بعض التلاميذ السابقين من تذكر مدرستهم بنوستالجيا مستغربة في وضع كهذا، إذ قال أحدهم: “كنا نعتقد أننا سنصاب بالجنون حينها، لكن بعد أن غادرنا، فإن العديد منا يفتقد المكان”.

Image

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الإضافات