الإتحاد: أصبح تعبير “العمل الاجتماعي الإبداعي” تعبيراً سائداً في أوساط المجتمع التنموي الدولي وفي ثقافة الناشطين في الولايات المتحدة وما وراءها. لذا فإنه من دواعي الفخر لي أن أبرز كيف أن نموذجين من الإبداع الاجتماعي (حل مشكلة اجتماعية من خلال حلول إبداعية ابتكارية)، حصلا على اهتمام وطني في الولايات المتحدة هما من بنات أفكار مسلمين أميركيين، أوجدت قدراتهم الإبداعية ساحات جديدة للمشاركة المجتمعية يمكن أن تساعد على توسيع الأفكار حول ما يعنيه أن تكون ناشطاً مجتمعياً.
تعرّف على نموذجي القرن الحادي والعشرين في الإبداع الاجتماعي، اللذين يربطان الأميركيين غير المسلمين مع الأميركيين المسلمين وكثيرين غيرهم: “باسبويز آند بويتز” في واشنطن العاصمة، وشبكة عمل المسلمين في المناطق الفقيرة (إيمان) في شيكاغو، وهما ليستا مؤسستان مصممتان للتفاهم بين الديانات، بل منظمتان تركزان على بناء المجتمع، حيث أوجدتا مساحات يستطيع فيها الناس من ديانات وخلفيات متنوعة التفاعل.
رسالة “باسبويز آند بويتز” هو أن تكون مكان تجمّع لإشراك الناس حول العمل الاجتماعي من خلال مطاعم ومكتبات المؤسسة. أما “إيمان” فتوفّر مجالاً واسعاً من الخدمات المباشرة وتتعمق في فنون المجتمعات الحضرية لتشجيع “الكرامة الإنسانية ما وراء الحواجز الدينية والعرقية والوطنية”.
تأسّس مقهى المجتمع التابع لمؤسسة “إيمان” في شيكاغو من قبل رامي نشاشيبي، لربط الشباب المراهق مع فرص التعليم والتدريب، ثم نما ليصبح مؤسسة مجتمعية توفر مجالاً واسعاً من الخدمات.
اجتذب تفاعل “إيمان” مع الشباب على الجانب الجنوبي من شيكاغو الدعم من أعضاء مجلس المدينة وأعضاء من جالية الأميركيين من أصول أفريقية، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوتا كيث إليسون، أول مسلم ينتخب لمجلس الشيوخ الأميركي. تدير”إيمان” اليوم عيادة صحية لها مدير طبي وفريق طبي وما يزيد على 25 طبيباً متطوعاً يقدمون فحوصات طبية مجانية وثقافة صحية.
وإلى ذلك، تيسّر “إيمان” تطوع الشباب وتوفر مجالات وأماكن للمراهقين ليجدوا أصواتهم الفنية من خلال صفوف لتعلم قرع الطبول وسرد القصص والروايات، وعروض الأفلام ليلة الجمعة ومختبر الإعلام الرقمي الذي يهدف إلى تدريب 20 شاباً قيادياً في فنون صناعة الأفلام الوثائقية.
ويدعو مقهى “إيمان” المجتمعي الشهري الفنانين الأميركيين المسلمين لعرض أعمالهم وأدائها. وهو ليس منتدى تُلقى فيه المواعظ، بل فرصة لبناء المجتمعات الصغيرة. يحضر غير المسلمين كذلك مناسبات “إيمان”، التي قد تكون فرصة لمشاهدة فنانين معروفين مجاناً، ولمتابعة رسوم جدارية فنية جديدة، أو ببساطة لقضاء وقت عائلي في بيئة آمنة، ولبناء المجتمعات الصغيرة.
وبالمثل، تعمل “باسبويز آند بويتز” وفي ذهنها روح المجتمع. فقد اختار أنس (آندي) شلال عن قصد منطقة “شارع يو/كولومبيا هايتز” بواشنطن العاصمة، التي دُمّرت جزئياً في اضطرابات عام 1968 بعد اغتيال القس مارتن لوثر كنج الابن. تجنّب العديد من سكان العاصمة واشنطن المنطقة، خوفاً من الجريمة، رغم أن المنطقة أعيد تطويرها مؤخراً. للمنطقة أهمية تاريخية كبيرة، إذ كانت مركزاً لموسيقى الجاز الأميركية وثقافة المسرح ومكان ولادة عازف الجاز العظيم ديوك إلينجتون.
يقول آندي شلال إن الفضل يعود إلى أحد أبطاله، الذي عاش في منطقة “شارع يو”، وهو الشاعر الأميركي من أصول أفريقية لانجستون هيوز الذي ألهم فكرة “باسبويز آند بويتز”، لأنه يمثل انصهار التعبير السياسي والفني مع العمل الاجتماعي النشط. ويريد شلال من جاليته الأميركية المتنوعة المحلية أن تدرك قيمة إبراز الوعي الاجتماعي من خلال “تناول الطعام والعمل النشط والفن”.
يملك الزائر لـ”باسبويز آند بويتز” فرصة الإصغاء للشعراء من خلفيات متنوعة في قراءات عديدة، وتصفح الكتب العديدة التي تغطي مواضيع عن العمل المجتمعي النشط وقضايا عالمية وصنع السلام. تماماً مثل “إيمان”، ليس هناك حوار حول الديانات، ولكن من النادر ترك المكتبة أو مناسبة ما دون سماع شيء ما عن ديانة مختلفة أو ثقافة أو مجموعة ما.
وبينما يشجّع القادة الأميركيون المبدعين الناشئين على تبني المشاكل داخل مجتمعاتهم، من الأهمية بمكان إبراز ما يحصل فعلياً في الولايات المتحدة. فقد اتصل قادة محليون في مدن أميركية أخرى مثل دنفر ونيويورك مع هؤلاء المسلمين الأميركيين وطلبوا منهم توسيع عمليات “باسبويز آند بويتز” أو “إيمان” هناك. إذا فعلوا ذلك فسوف يتشاركون بأكثر من روح العمل الأميركي النشط، بل توجه دينامي وشمولي مسلم نحو العمل النشط.
مهرونيسا قيّوم
مستشارة التنمية الدولية ومؤسِّسة مركز بيتابوليسي للاستشارات
ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
اترك تعليقاً