ترجمة الكتب العلمية والتربوية ضرورة ملحة

د. عبدالله بن خميس امبوسعيدي

سؤال دائما ما يطرحه المهتمون بالعلوم والثقافة العلمية العربية، واجابته للاسف تثير الحزن والأسى الا وهو ما مدى مساهمتنا كعرب ومسلمين في انتاج المعرفة العلمية؟. والاجابة بطبيعة الحال معروفة ولا تخفى على كل لبيب، وهي أننا لا نساهم في انتاج المعرفة العلمية الا قدر ضئيل جدا منها، ونستحي ان نذكره للاخرين، ذلك انه لا ينقصنا من تحقيق ذلك المال، أو الأشخاص القادرين على انتاجها، فكلا الشييئين متوفر عندنا، لكن ما ينقصنا هو التخطيط الجيد ووجود الدافع والحافز لدى الحكومات العربية والمواطن على حد سواء في نقل مجتمعنا العربية من مجتمعات مستهلكة لتطبيقات المعرفة العلمية الى مجتمعات منتجة للمعرفة العلمية أولا ثم تطبيقاتها التكنولوجية ثانيا.

 

ان الخطوة الأولى لعملية انتاج المعرفة لا ينبغي أن تكون من الصفر، بل يجب أن نبدأ من حيث أنتهى منه الأخرون، وهذا يعني اننا يجب أن نبدأ أولا بعمل خطة واضحة واستراتيجية مدعومة ماديا ومعنويا بترجمة الكتب العلمية والتربوية الرزينة من مختلف لغات العالم. وهذه التجربة قامت بها كثير من دول العالم المتقدم مثل اليابان، وكوريا واسبانيا والمانيا وحتى اسرائيل التي تمتلك واحد من افضل مراكز الترجمة في الشرق الأوسط. وكما قرات مرة في احدى المقالات وكان عبارة عن حقائق مفزعة عن العالم العربي، أن ما قام به العالم العربي من ترجمه في 100 سنة قامت به أسبانيا في ترجمته في سنة واحدة.

 

ان واقع الترجمة في العالم العربي مرير من جميع النواحي، فلو اخذنا التمويل مثلا نجد أن المبالغ المرصودة من قبل الحكومات والمؤسسات التربوية المعينة للترجمة زهيدة جدا، لا تكاد تذكر، كما نجد عدم وجود خطة استراتجية واضحة من قبل هذه الحكومات والمؤسسات للقيام بالترجمة. كما نجد أن الجهود المتعلقة بالترجمة معظمها جهود فردية وليست جماعية متبناة من قبل مؤسسات مرموقة. وهناك نقطة خطيرة في عدم ترجمة الكتب الاجنبية الى اللغة العربية، هو اعتقاد البعض –خاصة أولئك الذين ينبهرون بالغرب وحضارته- بعدم قدرة اللغة العربية على استيعاب المفاهيم والمعلومات الحديثة، وهذا اجحاف خطير بحق لغة القرأن التي لم تكن يوما من الأيام عاجزة عن استيعاب كل جديد.

 

وقد يتسأل البعض ما فائدة الترجمة؟  ولماذا انفاق عليها الأموال ووضع خطة استراتيجية للقيام بها؟ الترجمة مهمة جدا للمجتمعات العربية لعدة اعتبارات منها ان الأمة العربية –للاسف في الفترة الحالية-مستهلكة للمعرفة لا منتجة لها وهذا للاسف حال لا يمكن القبول به لفترة طويلة، ذلك أن الأمة العربية والاسلامية لم تكون كذلك في عصر الدولة الاسلامية القوية زمن العباسيين والأمويين في الاندلس. ويجب ان يتغير حال هذه الأمة لتكون أمة منتجة شأنها شان الدول المتقدمة في هذا العالم، وهذا لن يتأتى الا اذا بدأنا بتكوين قاعدة علمية متنية من خلال ترجمة أمهات الكتب العلمية والتربوية وغيرها في شتى صنوف المعرفة العلمية. ومن فوائد الترجمة ايضا اطلاع الباحثين والمعلمين وغيرهم باحدث الاصدارات في مجال تخصصهم حتى يتسنى لهم الاستفادة منها وتطبيقها في مجال عملهم، ونحن نعرف أن فهم الانسان وقدرته على تطبيق ما يقرأ ويتعلم يكون افضل كلما كان بلغته الأم، ومن خلال الترجمة الجيدة المضبوطة تتحول المعارف من لغة ثانية الى اللغة الأم. أما الفائدة الثالثة فهي فائدة معنوية لأمة اقرا، حيث انه ليكون لنا مكانة بين الأمم، لابد أن يكون لنا اطلاع لما يدور حولنا في هذا العالم، وان يكون لنا مكانة بين الأمم الناهضة من خلال مساهمتنا في الحضارة الانسانية، وكل ذلك يتم أولا من خلال وجود مشروع حضاري تنموي يكون للترجمة فيه دورا محوريا في نقل المعارف المختلفة.

 

ولكن ما هي الآليات التي يجب اتباعها من أجل تفعيل الترجمة، وتكوين قاعدة معرفية واسعة في شتى العلوم؟ أولا وقبل كل شيء يجب أن تكون هناك خطة استراتيجية واضحة على المستوى الوطني والقومي، فكل دولة يجب أن تساهم في هذا المشروع، كما يجب ان تتبنى المؤسسات والمنظمات على المستوى العربي هذه الخطة كجامعة الدول العربية أو احدى المنظمات المنبثقة منها. يجب ان تشمل هذه الخطة العديد من الجوانب، منها التمويل الذي يجب أن يكون كبيرا ومساهمة بين الحكومة والقطاع الخاص، الذي يجب أن يؤدي دورا كبيرا في هذا الجانب. كما يجب أن تشمل الخطة تأهيل وتدريب الاكاديمين في جميع حقول المعرفة في كيفية الترجمة، لأنه ليس بالضرورة أن يكون كل من يتقن لغتين قادر على النقل من احداهما للاخرى. وثالث مكونات هذه الخطة تحديد الأولويات في الأمور التي يجب التركيز عليها أولا في الترجمة، فمثلا قد نبدأ بترجمة الكتب التخصصية في الاحياء والكيمياء والفيزياء والرياضيات، ثم نتبعها بعد ذلك في كتب الانسانيات وهكذا. كما يجب أن تشتمل الخطة أيضا على آليات تسويق الكتب المترجمة، وجعلها متاحة للمستفيدين ورقيا والكترونيا.

 

من المهم جدا أن نضمن استمرارية عملية الترجمة، لأن الخوف يكمن في أننا قد نبدأ بمشروع مثل هذا القبيل، لكن بعد فترة تخبو جذوة المشروع ولا يستمر فيه. ومن اجل استمرارية المشروع، فقد يكون من المناسب جدا انشاء مراكز ترجمة داخل الجامعات العربية والمكتبات الوطنية والمراكز الثقافية المختلفة، تعمل على ترجمة الكتب الاجنبية الى اللغة العربية، كما أنها تقوم بالعكس تنقل الانتاج المعرفي العربي الى لغات العالم الأخرى. ان فكرة مراكز الترجمة اذا ما وفر لها الامكانات اللازمة من الممكن ان تكون أداة ضرورية للاستمراية أي جهد مبذول للترجمة.    

 

ان الحاجة تدعو اليوم قبل الغد بأن يعي العرب أهمية العلم وانتاج المعرفة، وأن يصحو من سباتهم الطويل الذي للاسف أخرنا مئات السنين عن ركب الحضارة الانسانية في جوانب العلم والتكنولوجيا، وان ننهض بمشروع رصين في مجال الترجمة يحقق الفائدة الكبيرة لهذه الأمة، ويعمل على نقلها من أمة مستهلكة للمعرفة الى منتجة لها.


مدارسنا دوت نت: 2012/08/15

Image

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الإضافات