الابتكار في التعليم: أين نقف من سباق الابتكار العالمي؟

يعتمد الاقتصاد القائم على المعرفة في جوهره على الإبداع والابتكار ولذلك يحتل الابتكار (Innovation) موقعًا محوريًا لأنه الشرارة التي تحوّل الأفكار إلى حلول، والمعرفة إلى قيمة مضافة، والتعليم إلى أداة تنمية مستدامة. لقد أدركت دول مثل أمريكا وأوروبا والصين واليابان وأستراليا وكندا أن مستقبلها الاقتصادي مرهون بقدرتها على تجديد منظوماتها التعليمية لتصبح حاضنة للابتكار، لا ناقلة للمعرفة فقط. فتحوّل التعليم في هذه البلدان من نظام تلقيني يكرّس الحفظ، إلى منظومة حية تُشجّع التجريب، والتفكير التصميمي وريادة الأعمال منذ المراحل المبكرة في منظوماتها. ولقد بدأت دول أخرى — ومنها سلطنة عُمان — تُعيد النظر في دور التعليم ضمن رؤية عُمان 2040 التي جعلت من الابتكار في التعليم والبحث العلمي أحد ركائزها الأساسية، لكن يبقى السؤال الجوهري هو كيف يمكن تحويل الابتكار من إطاره النظري إلى ممارسة تعليمية تعلمية داخل الصفوف الدراسية؟ وكبف يمكن أن نتعلّم من تجارب الدول الرائدة في دمج الابتكار ضمن أنظمتها التعليمية؟

كان مفهوم الابتكار في منتصف القرن العشرين مرتبطا بعالم الاقتصاد والإنتاج المادي واقتصر آنذاك على ابتكار منتج أو تطوير عملية إنتاج، لكن مع مطلع القرن الحادي والعشرين تغيّر المشهد تماما، فلم يقتصر الابتكار يُقاس بعدد المصانع أو براءات الاختراع والعلامات التجارية، بل بقدرة الإنسان على التفكير بطرق غير تقليدية لحلّ المشكلات المعقدة في الطب أو البيئة أو التعليم أو العلاقات الإنسانية. وهكذا انتقل الابتكار من أداة للنمو الاقتصادي إلى أسلوب حياة معرفي وإنساني، ومن الطريقة التي يتعلم بها الفرد، ويتفاعل بها مع العالم، ويُسهم في تطوير مجتمعه. ومن هنا برزت الحاجة إلى دمجه في النظم التعليمية منذ مراحلها الأولى ولا يبقى حكرًا على المختبرات أو الشركات ومصانعها، بل يصبح جزءًا من تكوين الإنسان ذاته فالتحدي لم يعد في تعليم الطلبة كيف “يستخدمون التكنولوجيا”، بل كيف يبدعون ويبتكرون في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع والتحولات البيئية والاجتماعيةمثل التغير المناخي والفقر والأمراض والحاجة إلى النمو الاقتصادي المستدام.

تعربف الابتكار في التعليم

تتنوع تعريفات الابتكار في التعليم ولكن سنقتصر هنا على ما ورد في الصفحة 20 من وثيقة رؤية عمان 2040 التي تنص “إن تطوير النظام التعليمي بجميع مستوياته وتحسين مخرجاته أصبح أمرًا ضروريًا لبناء الإنسان الواثق من هويته، المتمسك بقيمه الاجتماعية، المبتكر والنشط اقتصاديًا… وذلك من خلال التركيز على رفع جودة التعليم المدرسي والتعليم العالي، وتطوير المناهج والبرامج التعليمية؛ بحيث يصبح خريجو النظام التعليمي مؤهلين لدخول أسواق العمل المحلية والعالمية.” وتضيف الرؤية “لا بد من إحداث نقلة كمية ونوعية في مجال البحث العلمي والتطوير، من خلال التركيز على توفير مصادر تمويل متنوعة ومستدامة، وتعزيز أواصر الشراكة الحقيقية بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية ومؤسسات القطاع الخاص. كما تشدد على “إيجاد منظومة وطنية تُعنى بالموهوبين والمبدعين وأصحاب الأفكار الريادية، وتوظيف أفضل للقدرات الوطنية.”
وبالخلاصة تركز الرؤية على التحول من التعليم التلقيني إلى التعليم القائم على الابتكار والمعرفة، بحيث يصبح الإنسان العُماني: مبتكرًا لا متلقّيًا ومشاركًا في بناء اقتصاد المعرفة. وقادرًا على المنافسة في الأسواق العالمية. كما تُبرز الابتكار العلمي والشراكة بين التعليم والقطاع الخاص كأداتين مركزيتين في بناء اقتصاد متنوع ومستدام. وهي وضعت الإنسان في قلب مشروعها، وجعلت من التعليم والبحث والابتكار محورًا لبناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة. لكن الرؤية لا تنجح ما لم تتحول إلى ثقافة تنفيذية مدعومة بأدوات عالمية مجرّبة. وهنا نتساءل أين نقف من سباق الابتكار العالمي لنحقق مؤشرات الأداء الدولية المستهدفة حتى 2040؟

محاور الابتكار في التعليم العالمي

تبلورت عبر التجارب العالمية ستة محاور رئيسية تشكّل جوهر الابتكار في التعليم؛ محاور تمزج بين التقنية والإنسان، وبين الحرية والمسؤولية، وبين الإبداع والعمل. هذه المحاور ليست نظريات أكاديمية، بل نماذج عملية أثبتت نجاحها في فنلندا، واليابان، وكندا، وأستراليا، وألمانيا، والصين، وغيرها من الدول التي جعلت من التعليم قوة وطنية ناعمة. وفيما يلي عرض موجز لهذه المحاور الستة:

التعلّم القائم على الكفاءات: يركّز على ما يستطيع الطالب فعله لا على ما يحفظه، ويقيس التقدم بالمهارة لا بالدرجة، والنتاج هو خريج قادر على تطبيق المعرفة في الحياة والعمل.

التعلّم القائم على المشروعات: يجعل الصف مختبرا تطبيقيا؛ يتعلم الطالب من خلال مشروع جماعي يحل مشكلة حقيقية، والنتاج هو تعلّم نشط ينمّي التفكير النقدي والتعاون والإبداع.

توظيف الذكاء الاصطناعي: في جعل التعليم بأن يكون شخصيًا ومُتكيّفًا مع قدرات كل متعلم في مسارات تناسب مستواه وسرعته مع التوازن بين التقنية والإنسان لتبقى التكنولوجيا أداة دعم لا بديلاً عن المعلّم.

التقييم من أجل التعلّم: استبدال الامتحانات الكتابية بملفات إنجاز تعتمد على التغذية الراجعة المستمرة بدل رصد الدرجات، ليتعلم الطالب كيف يُراجع أداءه ويطوّره ويستبدل ثقافة الخوف من الامتحان إلى ثقافة حبّ التعلّم، ومن نظامٍ يفرز الطلبة إلى نظامٍ ينمّيهم علميا وعمليا.

الشراكة بين المدرسة والمجتمع: بجعل المدرسة جزءًا من نسيج المجتمع لا مؤسسة منفردة، هذا النموذج يبني الجسر بين التعليم والاقتصاد، ويزرع في الطلبة مهارة التعلّم للعمل والعمل للتعلّم، فينمو جيل قادر على الابتكار والإسهام في التنمية بدل انتظار التوظيف.

التمكين والحوكمة المرنة: تثبت التجارب العالمية أن الابتكار لا يعيش في بيئة بيروقراطية مغلقة. علينا بتمكين المدرسة بمنحها صلاحيات اتخاذ القرار الأكاديمي والإداري والمالي في إطار من المساءلة الذكية. وعندها تُقيّم هذه المدارس وفق أثرها في المتعلمين لا بأثرها الإعلامي.

هذه المحاور الستة لا تعمل منفصلة، بل تتكامل لتكوّن صورة المدرسة الحديثة التي يتعلم فيها الطالب كيف يفكر ويعمل، لا كيف يتلقى المعرفة النظرية.

المسار العالمي نحو المدرسة المبدعة

لا يمكن لأي نظام ابتكار أن ينهض في بيئة تعليمية تكرّر نفسها. لقد أثبتت التجربة الفنلندية أن جودة المعلم أهم من كثرة المدارس فهي اختارت طريقًا بسيطًا لكنه عميقًا لأنها جعلت التعليم مهنة النخبة، فكل من يدرّس يحمل درجة الماجستير في التربية ويُنظر إليه كمفكر ومصمم لعملية التعلم. أما كندا فتبنت فلسفة المدرسة التي تخدم المجتمع فتحولت إلى مركز مفتوح بعد الدوام، يحتضن الأنشطة والبحوث والمشروعات الاجتماعية. وفي سنغافورة أُعيد تعريف “المناهج” بوصفها خططًا مرنة تتغير كل خمس سنوات لتواكب الاقتصاد مع ربط التعليم المدرسي بالتعليم العالي عبر نظام موحّد للمخرجات التعليمية.

أظهرت تجارب كوريا الجنوبية وألمانيا أن البحث العلمي ليس ترفًا أكاديميًا بل محركًا اقتصاديا مباشرا.لقد أنشأت كوريا حدائق بحثية جامعية تموّلها الحكومة والقطاع الصناعي بالتساوي، فصار كل اكتشاف علمي مشروعًا تجاريًا. أما ألمانيا فأنشأت منظومة تربط الجامعة بالشركة، وتُحوّل نتائج المختبر إلى منتج خلال أشهر. وفي الولايات المتحدة قامت الجامعات الكبرى على فلسفة الابتكار عبر التعاون، أي إشراك الطلبة في مشروعات واقعية تمولها الشركات.

الموهبة في العالم الحديث أصبحت قطاعًا استراتيجيًا لا نشاطًا جانبيًا. ففي سنغافورة يُكتشف الطلبة الموهوبون مبكرًا عبر اختبارات متعددة الذكاءات، ثم يُلحقون ببرنامج “Gifted Education” الذي يمنحهم مناهج متقدمة، وأساتذة مدرَّبين على التفكير الإبداعي، ومشروعات فردية تُنشر سنويًا. وفي الولايات المتحدة تستثمر الجامعات في المعسكرات الصيفية البحثية لتأهيل النابغين علميًا ومهاريًا. بينما كوريا الجنوبية أنشأت مراكز العلوم الإبداعية للشباب في كل مدينة.

كما أظهرت التجارب الناجحة في ألمانيا وسويسرا وأستراليا أن التعليم لا يمكن أن يظل معزولًا عن الاقتصاد. النظام المزدوج الألماني جعل من الطالب شريكًا في الصناعة منذ مقاعد الدراسة، فتخرّج وهو يحمل شهادة وخبرة عملية معًا. وفي أستراليا، يشارك طلاب الثانويات في مشروعات مجتمعية اقتصادية تشجعهم على ريادة الأعمال منذ سن مبكرة.

الابتكار يحتاج إلى حرية الحركة بعيدا عن البيروقراطية، ففي فنلندا اختفت لجان التفتيش القديمة وحلّ محلها نظام المساءلة المهنية حيث يقيّم المعلّم نفسه وزملاءه في إطار ثقة متبادلة. وفي نيوزيلندا تمتعت المدارس باستقلال إداري ومالي ضمن اتفاق أداء سنوي يُنشر للعلن. هذه النماذج أظهرت أن الحوكمة الفعالة تقوم على: الشفافية والاستقلالية والمساءلة المهنية.

الدول الناجحة لا تموّل التعليم من إيراداتها فقط، بل تجعل المجتمع كله شريكًا فالنرويج موّلت الجامعات من عوائد صندوقها السيادي، والولايات المتحدة اعتمدت على المنح الخيرية والشراكات الصناعية، وماليزيا أطلقت صندوق التعليم الوطني الذي تموله الأسر والشركات مع إعفاءات ضريبية. أعظم تجارب التعليم هي التي جمعت القيم والمهارة في معادلة واحدة. اليابان دمجت الأخلاق بالابتكار تحت شعار “kokoro” (القلب والعقل معًا)، وكوريا ربطت الإبداع بالوطنية والانضباط، بينما الإمارات أدخلت مادة “التربية الأخلاقية” بجانب البرمجة والذكاء الاصطناعي.

ومن التجارب العالمية الملهمة فنلندا التي تُنفّذ مشروعات تخدم المجتمع المحلي بنسبة 70٪ من خلال المدارس ، وتُقيم معارض سنوية تعرض ابتكارات الطلبة في مجالات البيئة والطاقة. والمكسيك أسست برنامج المدرسة الريفية المنتجة حيث يتعلم الطلبة إدارة مزرعة صغيرة كجزء من المنهج. أما الولايات المتحدة فقد أنشأت مدارس (Community Learning Centers) التي تُحوّل مبنى المدرسة إلى مركز خدمات تعليمية وصحية واجتماعية للحي. فيما الهند تُستخدم المدرسة -في القرى- لتعليم السكان مبادئ الزراعة الذكية ومحو الأمية الرقمية بعد الدوام الدراسي. وهكذا تكشف التجارب العالمية أن الابتكار ليس مشروعًا نخبويًا، بل ثقافة تبدأ من الصفوف الأولى وتنتهي في المختبرات الوطنية.

من رؤية عُمان 2040 إلى الصف الدراسي

تحتاج مدارسنا إلى نقل الجودة من الشكل إلى الجوهر — من الاهتمام بالأبنية والمعدات إلى المعلم والطالب والمجتمع، ويتحقق ذلك من خلال إعداد المعلمين بوصفهم باحثين ميدانيين، وتطوير مدارس تخدم المجتمعات المحلية عبر ربط المدرسة بالحياة اليومية لتحتضن الأنشطة الزراعية والبيئية والتراثية ومراكز الطاقة، وعندها تصبح كل مدرسة نواة جامعة، وكل معلم باحث، وكل طالب مشروع مستقبل. إنها المدرسة التي تزرع لتتعلّم، وتنتج لتفكّر، وتخدم لتتطور، فيها يتعلم الطالب أن المعرفة عمل، والعمل معرفة. هي مدارس تُنفّذ مشروعات تخدم المجتمع المحلي، وتُقيم معارض سنوية تعرض ابتكارات الطلبة في مجالات الزراعة والبيئة والتراث والطاقة، فالزراعة ليست درس علوم، والطاقة ليست معادلة في كتاب مدرسي، والبيئة ليست فقرة في كتاب الجغرافيا، بل كلها تجارب ميدانية يومية يمارسها الطلبة في بيئتهم المحلية. كل مدرسة ترتبط ببيئة منطقتها ففي ولايات السهل الساحلي تتحول إلى مدرسة بيئية-زراعية وفي المناطق الجبلية تتحول إلى مركز للطاقة المتجددة وفي المدن مثل مطرح ومسقط القديمة تتحول إلى مدرسة للتراث والثقافة والتطوير العمراني والتجارة، وهكذا يشعر الطالب أن مدرسته تمثّل جزء مكمل من عُمان. وفي تجارب الدول قامت مؤسسات محلية بدعم مشروعات الطلاب، كتمويل حديقة أو مختبر صغير مما يعزز “المسؤولية المجتمعية” ويجعل الجميع جزءًا من العملية التعليمية التعلمية.

لكن هذا التحول يحتاج إلى خارطة طريق واضحة ترسم ثلاثة مسارات مترابطة تعمل معًا لتحقيق مؤشرات رؤية عُمان 2040، وهي مسار لتغيير الإنسان (الطالب والمعلم)، ومسار لتغيير النظام (المدرسة والمجتمع)، ومسار لتغيير المحرك (التمويل والبحث):

المسار الأول مسار صانع الابتكار: يركّز هذا المسار على الطالب والمعلّم بوصفهما محور التغيير، فالابتكار لا يُصنع في المختبرات فقط، بل في العقول التي تتعلّم كيف تفكر. ويستهدف هذا المسار أيضا مؤشرات الرؤية “جودة التعليم” و “الإنسان المبتكر”:

  1. تبني إطلاق “بنك المهارات الوطني” (تطبيقاً لمحور الكفاءات) بتحويل شهادة الدرجات إلى محفظة كفاءات رقمية (Skills Portfolio) لكل طالب لتصبح الجسر بين المدرسة والاقتصاد، فبدلاً من منحه علامات في مادة الرياضيات مثلا، يحصل الطالب على شهادة المستوى الثالث في حل المشكلات التحليلية. وبربط هذه المحفظة مباشرة بمتطلبات سوق العمل والقطاع الخاص (كما هو معمول في ألمانيا وسويسرا). مما يحقق هدف الرؤية في تأهيل الخريجين لسوق العمل المحلي والعالمي.
  2. تبني برنامج “المعلم المصمّم” (تطبيقاً لمحور التمكين) عبر تغيير دور المعلم من منفّذ للمنهج إلى مصمم لعمليات التعلم فقد طبقت فنلندا فكرة “صندوق المعلم الرملي” الذي يُمنح كل معلم صلاحية تعديل 20% من وقت التدريس لتطبيق مشروعات ابتكارية خاصة، ويُقاس أداؤه بناءً على أثر هذه المشروعات لا وفق التزامه الحرفي بالمنهج، فيتحوّل إلى قائدٍ فكري يبتكر لا منفّذٍ للمنهج.
  3. التقييم من أجل التطوير (تطبيقاً لمحور التقييم) استبدال ظاهرة الخوف من الامتحان إلى حبّ التعلّم باعتماد “ملفات الإنجاز (Portfolios)” والتغذية الراجعة المستمرة. وتوظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل أداء الطالب فورياً يساعده على تحديد مسارات التعلم المناسبة له، وبذلك تصبح التقنية أداة تمكين إنساني لا بديلاً عن المعلّم.

المسار الثاني مسار الشراكة المجتمعية: هذا المسار يكسر الجدران بين المدرسة والمجتمع، ويستهدف مؤشرات “الشراكة الحقيقية” و “الاستجابة لمتطلبات الاقتصاد” ويجعل المدرسة مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا نابضًا بالحياة:

  1. المدرسة مركز مجتمعي فبعد انتهاء الدوام عليها أن تتحوّل إلى حاضنة مجتمعية تقدّم ورشًا للكبار، ومختبراتٍ للشباب، ومساحات عملٍ مشتركة لروّاد الأعمال المحليين. وبذلك تصبح المدرسة القلب النابض للحيّ، كما في التجربة الكندية والمكسيكية، ولتعيد الثقة بين المدرسة والمجتمع التي اهتزت.
  2. برنامج التلمذة الصناعية المصغّرة حيث يُلزم كل طالب في المرحلة الثانوية بتنفيذ مشروع واقعي لمدة شهر داخل مؤسسات خاصة وحكومية، لحلّ مشكلة حقيقية في الطاقة أو البيئة أو الخدمات. تجعل هذه التجربة “التعلّم القائم على المشروعات واقعًا مُعاشًا تربط الطالب بالاقتصاد المحلي منذ سن مبكرة، فتغرس فيه روح العمل والإنتاج.

المسار الثالث مسار التمويل والبحث: الابتكار لا يعيش بلا وقود، يأتي هذا المسار ليضمن الاستدامة المالية والمعرفية لمنظومة التعليم. ويستهدف مؤشرات “مصادر تمويل متنوعة” و “منظومة الموهوبين” و “البحث العلمي”:

  1. إنشاء مؤسسة للابتكار التعليمي الوطني تشترك فيه الحكومة والقطاع الخاص والوقف الإسلامي كرأسمال مخاطِر للتعليم والتعلم، يمول مشروعات المدارس والمعلمين المبتكرين وحاضنات المجتمع. كل ما يُصرف منه يقابله أثرٌ تعلّمي أو مجتمعي يمكن قياسه، فيتحول التمويل إلى حافزٍ للإبداع لا عبءٍ بيروقراطي. وتمول هذه المؤسسة “صناديق المعلمين الرملية” (المسار 1) والمشروعات الناشئة من المدارس (المسار 2)
  2. المسرّعة الوطنية للموهوبين لكشف المواهب مبكرًا، ليس فقط في المواد الأكاديمية بل في الريادة الأعمال والفنون والتقنية (كما نصت الرؤية)، ويُلحقون ببرامج متقدمة تربطهم مباشرة بالجامعات والشركات لمواجهة تحديات وطنية (مثل الطاقة والمياه).
  3. ربط التمويل بالأداء بتطبيق المساءلة الذكية: المدارس التي تُظهر أثرًا أعلى في مؤشرات “بنك المهارات” و“المشروعات المجتمعية” تحصل على تمويلٍ أكبر وصلاحيات أوسع، كما في تجربة نيوزيلندا فيصبح الابتكار مجزيًا، وتتحوّل الجودة من شعارٍ إلى ممارسةٍ مُحفَّزة.

بهذه المسارات الثلاثة تصبح المدرسة مركزًا للإبداع المجتمعي التي تزرع لتتعلّم، وتنتج لتفكّر، وتخدم لتتطور؛ مدرسة يرى فيها الطالب أن المعرفة عمل، والعمل معرفة، وحين تنتشر هذه الثقافة في مدارس السلطنة، ستتحقق رؤية عُمان 2040 وتترسخ في وعي الإنسان العُماني ذاته، فيصبح كل صفّ مختبرًا، وكل معلّم قائدًا، وكل طالب مشروع مستقبلٍ لوطنٍ مبدعٍ ومتجدد ومستدام.

[thumb_vote align="right"]

Image

ردان على “الابتكار في التعليم: أين نقف من سباق الابتكار العالمي؟”

  1. الصورة الرمزية لـ مدير الموقع

    مقال رائع وشامل يعكس العمق في فهم متطلبات التحول التعليمي الحقيقي.

    أتفق تماماً مع ما جاء حول ضرورة الدمج بين التعليم التقليدي واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. فالتقنية يجب أن تكون أداة تمكين إنساني تدعم المعلم وتساعد في شخصنة التعليم لكل متعلم، لا بديل عنه. هذا الدمج الذكي سيمكّن المعلم من التركيز على دوره الحقيقي كموجه وقائد فكري لعملية التعلم.

    كما أن تمكين المعلمين يجب أن يكون في قلب أي إصلاح تربوي. المعلم المصمّم الذي له صلاحيات اتخاذ قرار أكاديمي وإداري سيكون أكثر إبداعاً والتزاماً، وهذا ما أثبتته التجارب الفنلندية والكندية.

    ما أفتقده في النقاش هو تأكيد أكثر على دور الأسرة والمجتمع. التطوير الناجح يحتاج إلى شراكة حقيقية وليس شكلية بين البيت والمدرسة والقطاع الاقتصادي. الأسرة العمانية يجب أن تكون شريكة مباشرة في دعم هذا التحول، وليس متفرجة.

    أخيراً، يجب أن نكيّف التجارب العالمية بحذر وذكاء، فما ينجح في فنلندا قد يحتاج تعديلات في السياق العماني. نحتاج فريق عمل وطني متخصص يترجم هذه الرؤى إلى خطط تنفيذية واقعية تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتنا الثقافية والاقتصادية.

  2. الصورة الرمزية لـ أبو نور
    أبو نور

    فكرة جديدة ومبتكرة من الموقع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *