
أخذت جامعة نزوى -إحدى الجامعات الوطنية الخاصة غير الربحية التي أسست في العام (2004) في محافظة الداخلية- في تطور ملحوظ من حيث عدد البرامج الأكاديمية والبحثية، وتفعيل الشراكات مع العديد من الجامعات الإقليمية والدولية. نتج عن ذلك حصول جامعة نزوى على المرتبة الأولى محليا والترتيب (500-401) عالميا في تصنيف أفضل الجامعات العالمية المعروف باسم (Times Higher Education)؛ حيث تنافست جامعة نزوى مع أكثر من ألفي جامعة على مستوى العالم.
وإن كان تصنيف الجامعات العالمي «QS» هو الأكثر شهرة من قبل الطلبة الذين يبحثون عن الجامعات المتميزة للدراسة بها، كما أنه الأكثر تنافسية بين الجامعات الخليجية والعربية للحصول على ترتيب متقدم، ولكن أيضا تصنيف التايمز العالمي يعطي أهمية أكثر بمجالات البحوث منهجيته تعتمد على تحديد نسبة (59 %) من إجمالي أوزان التقييم الكلية لمحاور بيئة البحث العلمي والتي تنقسم إلى ثلاثة فروع وهي: السعة البحثية، الإيرادات من البحوث، والإنتاج البحثي. المحور الثاني ما يتعلق بجودة البحث العلمي وهو ينقسم إلى أربعة فروع وهي: تأثير الاقتباس البحثي، القوة البحثية، والتميز البحثي، والتأثير البحثي.
أما الثلاثة المتبقية التي وزنها (41 %) من إجمالي الدرجات الكلية موزعة على ثلاثة محاور أخذ محور التدريس النسبة الأكبر، أما المحور الأقل نسبة ووزنًا هو محو القطاع الصناعي. عليه فإن حصول الجامعات على ترتيب متقدم في تصنيف التايمز مؤشر على ارتفاع سمعتها البحثية. على سبيل المثال؛ جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تصدرت الترتيب الأول على مستوى الجامعات الخليجية في تصنيفي الكيو أس والتايمز ما يعطيها سمعة تنافسية في المحاور البحثية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا المقال يركز على المرتبة التي حصلت عليها جامعة نزوى في تصنيف التايمز العالمي وليس العربي.
ولمقارنة أداء الجامعات الوطنية؛ حصلت جامعة نزوى على المرتبة الأولى محليا، ثم جاءت ثانيا جامعة السلطان قابوس التي حصلت على ترتيب (600-501) مع الإشارة إلى أن جامعة السلطان قابوس موجودة في تصنيف التايمز منذ عشر سنوات؛ وبالتالي فالترتيب الذي نتحدث عنه للعام (2026) هو الترتيب الأفضل الذي حصلت عليه الجامعة خلال تلك المدة.
عليه فإن جامعة نزوى تجاوزت جامعة سلطان قابوس في محاور الجودة البحثية، والبيئة البحثية، والانفتاح الدولي، وأغلب هذه المحاور وزنها مرتفع. في المقابل؛ فإن جامعة السلطان قابوس تفوقت على جامعة نزوى في معيار القطاع الصناعي والتدريس مع العلم بأن محور القطاع الصناعي يعتبر أقل المحاور وزنًا؛ حيث حددت أربع درجات لذلك المحور في التقييم النهائي. كما جاءت في الترتيب الثالث محليا جامعة ظفار.
في الجانب الآخر؛ فإن ترتيب الجامعات الخليجية في تصنيف التايمز بالمقارنة مع تصنيف الكيو أس جاء على غير المتوقع من خلال قراءة المراتب التي حصلت عليها بعض الجامعات السعودية -على سبيل المثال- بينما حصلت جامعة الملك عبد العزيز على الترتيب (163) عالميا في تصنيف الكيو أس نجد بأنها جاءت في المرتبة (400-351) في تصنيف التايمز. كما حصلت جامعة السلطان قابوس على ترتيب متقدم جدا على جامعة نزوى في تصنيف الكيو أس خلال نفس سنة التقييم.
من الممكن أن نعزو أسباب حصول جامعة نزوى على المرتبة الأولى محليا إلى ارتباط أبحاثها بالمشكلات التي تواجه المجتمع، وتنوع مراكزها البحثية، وزيادة المشروعات والعقود التي تربطها بشركات القطاع الخاص. كما أن المتابع لمسيرة جامعة نزوى من خلال موقعها الإلكتروني يرى أنها أعطت أهمية بالغة للبحوث التطبيقية على المستوى الوطني مع عقد الشراكات مع الجامعات العالمية ومنها الجامعات الروسية. كما أنشأت الجامعة مراكز وكراسي بحثية متنوعة، ومنها -على سبيل المثال- مركز دارس، والكرسي الوطني لعلوم المواد والمعادن، وكرسي اليونيسكو لدراسات الأفلاج وعلوم المياه، ومركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية.
وأهم الجوانب البحثية التي ساعدت جامعة نزوى على اتساع سمعتها البحثية خارجيًا هو توقيعها لعقد بحثي مع وكالة ناسا، والمركز الأمريكي لأبحاث الغلاف الجوي، ونتج عن تلك الشراكة نشر أول ورقة علمية محكمة عن الجسيمات العالقة في بركة الموز. وبالتالي؛ هذه الأبحاث أعطت جامعة نزوى سمعة ومكانة عالمية أسهمت في حصولها على درجة أعلى في محور الانفتاح الدولي على الرغم من أنها المرة الأولى التي تدخل فيها جامعة نزوى في تصنيف التايمز.
إن حصول جامعة نزوى على هذه المرتبة المتميزة بين أفضل الجامعات العالمية يدل على أن الجامعة بذلت جهودا غير عادية في الوصول لتلك المرتبة مع تمكنها من تذليل جملة من التحديات التي استطاعت التغلب عليها خلال المدة التي ليست بالطويلة من تاريخ إنشائها مقارنة ببعض الجامعات العربية.
وبالتالي؛ هذا يفند كثيرًا من المغالطات السائدة التي قد تكون غير صحيحة من أن عمر الجامعة وعدد الأكاديميين والباحثين له دور محوري في المرتبة التي تحصل عليها؛ بدلالة أن هناك جامعات أخرى تجاوز عمرها خمسين عاما، ولم تحصل على أي ترتيب في تصنيف التايمز. ونظرا للتسابق المحموم من أغلب الجامعات للحصول على مراتب متقدمة في تصنيفات أفضل الجامعات العالمية؛ فإن جامعة نزوى بحاجة إلى المحافظة على هذا المستوى الذي وصلت إليه عبر تشكيل لجان وفرق عمل ومجموعات بحثية محليًا، وإقليميًا، وعالميًا؛ لزيادة قاعدة التبادل البحثي، والعمل على رفع درجات المحاور المتعلقة بالبيئة والجودة البحثية بشكل سنوي.
كما أن الاهتمام بالبحوث في المجالات الإنسانية والعلمية من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر في تحسين جودة التدريس، وأيضا جودة مخرجات الجامعة من الكفاءات الوطنية.
المستوى الذي حصلت عليه جامعة نزوى هو إنجاز وطني بكل المقاييس على اعتبار أنها جامعة خاصة وغير ربحية، وبإمكانات أكاديمية وبحثية قد لا تقارن بالجامعات الحكومية. ومن هذا المنطلق فإنه ينبغي من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن تكون لديها مبادرات وحوافز تتضمن تقديم الدعم المالي للجامعات الوطنية الخاصة والتي تحصل على مراتب جيدة في التصنيفات العالمية؛ حيث إن تلك المراتب ليست سمعة للجامعة فقط، وإنما هي بمكانة تسويق علمي وبحثي لسلطنة عُمان في المحافل الدولية من خلال التبادل البحثي والطلابي، وما ينشر من دراسات وأبحاث في دوريات علمية رائدة.
وإذا كانت «رؤية عُمان 2040» تستهدف وصول ثلاث جامعات وطنية لتكون من بين أفضل (300) جامعة في تصنيف الكيو أس فإن تصنيف التايمز لا يقل عنه، بل قد تكون المحاور المستخدمة في التقييم والمنهجية التي يتبعها أكثر صرامة من تصنيف الكيو أس؛ وذلك بتركيزه على المحاور البحثية والتدريس.
نبارك لرئاسة جامعة نزوى وجميع منتسبيها من الهيئة الأكاديمية والإدارية هذه المرتبة المتقدمة التي وصلت إليها في تصنيف التايمز، ونعتقد ـ بلا شك ـ بأن الجامعة تدرك حجم المسؤولية الوطنية في المحافظة على ذلك المستوى، والعمل على تحسينه في الأعوام القادمة. وهذا يتطلب تكاتف الجهات المسؤولة عن جودة التعليم في تقديم شتى أنوع الدعم والمساندة للجامعات الوطنية الخاصة التي تعمل جاهدة على تحقيق التميز في التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
ويبقى تساؤل مطروح بعد وصول جامعة نزوى لهذه المرتبة في إمكانية تضمين تصنيف الجامعات المعروف اختصارا «THE» العالمي مع تصنيف «QS» لتحقيق الأداء المستهدف في رؤية عُمان لتكون ثلاث جامعات وطنية من بين أفضل (300) جامعة على مستوى العالم بحلول العام (2030).





















اترك تعليقاً