مشاريع طلبة فنون الشارقة.. دعوة للحرية

الخليج: تمرد على قوانين الفن، وألوان جديدة تتحدى حدود الفكرة لتنتصر لحرية اللوحة أخيراً، مع شخصيات كرتونية تتسلسل من الذاكرة لتهون قسوة ومرارة الواقع في محاولة لأخذ أطفال الحروب بعيداً عن مآسيهم في بعد زمني شفاف ومختلف، ومجسمات تحكي تاريخ العبودية، وتنتقم من أقنعة الظلم، ومن كل ما يمكن لكائن بشري أن يفعله عندما يتمتع بالسلطة على الآخر، أفكار إنسانية وجمالية كثيرة حملتها مشاريع التخرج لطلبة كلية الفنون الجميلة في جامعة الشارقة، نطّلع على بعضها هنا.
استعانت الطالبة لمى الشاكوش بالشخصيات الكرتونية التي كانت متعلقة بها في طفولتها والتي أثرت بشكل كبير على تصورها عن الحياة عندما تكبر، وتقول: للأسف عندما كبرنا لم نجد هذه الحياة الكرتونية التي كنا نعتقدها، فالواقع مختلف عن الخيال، لهذا استعرت هذه الشخصيات للتعبير عن الأحلام والآمال التي تلاشت مع السنين، وقد رسمتها شفافة للدلالة على هذه الفكرة، لكني عملت على ترك بعضها ملوناً لأبقي شيئاً من الأمل، وأوضحت بأنها أرادت من خلال المشروع التعبير عما يجري في بلدها «سوريا» فاستعارت صوراً لأطفال سوريا، وأخرى للدمار فيها لتعطيها بُعداً آخر من خلال إلباسها أشكال الشخصيات الكرتونية الشهيرة.
وعن الحروب وتأثيرها على حياتنا تعبر الطالبة خولة حسين حمد بطريقتها الخاصة مجسدة حالة التوتر التي نعيشها جميعاً بتصوير أشخاص عاديين يمارسون حياتهم اليومية المعتادة ويستغرقون فيها دون أي دلالة لأهمية المستقبل أو وجوده في هذه الحيوات، وتقول: معظم الناس اليوم تناسوا التطلع للمستقبل لأن الإنسان اليوم أصبح حبيس الماضي والحاضر وحسب، وقد حاولت تصوير الحياة الروتينية مستعينة بخلفيات داكنة توحي بالضياع، كما أنني ألغيت وجود الرأسي في جميع اللوحات لأعمم الحالة في جميع المجتمعات مستغنية عن كل الدلالات التي توحي بها وجوهنا، الشعر، والملامح.

وللتمرد على قوانين الزخرفة الإسلامية التي عشقها منذ الصغر عمل الطالب إحسان حكم غنّام على الدمج ما بين الزخرفة والفن التشكيلي، ويقول: استوقفتني القواعد الكثيرة التي ينطوي عليها هذا الفن، فهو مثقل بالخطوط الحمراء التي جعلتني مقيداً، فحددت خيالي وأفكاري، لهذا قررت أن يكون مشروع تخرجي منصباً على هذا الموضوع، واخترت العمل بكل الألوان التي لا يسمح باستخدامها في الزخرفة، كما أنني لم أملأ اللوحات بالزخرفة بل اكتفيت بأجزاء بسيطة حتى أخدم الفكرة فقط، ويضيف بأنه أطلق عليها أسماء مستوحاة من الزخرفة القديمة.
وبتعبير متمرد آخر نجد منحوتات الطالبة عبير عبدالمنعم صديق، تعلن ثورة جديدة على تاريخ العبودية الممتد حتى يومنا هذا كما توضح، وتقول: حاولت التعبير عن الأفكار والمشاعر التي يمر بها العبيد من خلال تعابير الوجه والحركة، هذا بالنسبة للمجسمات، وأوضح هذا بالأفلام التي صورتها وعددها 2، تتكلم عن أشكال العبودية اليوم، وتشرح عن الأقنعة المصنوعة من قماش التول التي زينتها لتغطي بها رؤوس بعض المجسمات بأنها رد على تلك الأقنعة التي كانوا يضعونها على رأس العبيد في الماضي ليمنعوهم من الأكل في الحقول محاولة إعادة عاداتهم إليهم، وتضيف بأن جميع المجسمات لرجال في عمر الشباب وهم الفئة التي تستهدف للعبودية، وجميعهم بدون شعر لأن حلاقة الشعر هي أول الممارسات التي يقوم بها المستعبدون لإلغاء هوية هؤلاء الناس، كون القبائل في إفريقيا تميز نفسها بضفائر الشعر وزينته التي تختلف بين قبيلة وأخرى.
وبمقاربة فنية صادمة لعين المشاهد استعارت الطالبة آلاء محمد أحمد أمين، خريجة، صوراً من عملية سلخ الخرفان لتسقط عليها تشبيهها القائم على تعرية الفرد موضحة أن البشر عندما يمتلكون السلطة في أبسط الأمور سوف يتسببون بالأذى لبعضهم البعض، وتقول: سبب هذا التشبيه عائد إلى الصفات التي ميزنا الله بها سواء بالعقل أو الجسد، والتي للأسف نصّر على استخدامها بطريقة نتفوق فيها على وحشية الحيوانات، لذا قمت بسلب الجلد منه وعريته، لأجعل منه كائناً لا حول له ولا قوة، ويمكننا أن نسقط هذه الصور على الكثير من النظريات في مجتمعاتنا البشرية، فاللحمة موضوع ممتد يصف نظرة الرجل للمرأة، طريقة السلطة في التعاطي مع الأفراد، الحروب، والكوارث التي نشاهدها ولا نكترث لها.
ومن الصدمة ننتقل إلى المفاجأة في مشروع الطالبة ميثا ثاني آل زفين، التي تبدو ألواحها الزجاجية شفافة تماماً إلى أن يسلط عليها الضوء – المتناوب – فيظهر منحوتات شفافة تصور أولئك الأشخاص غير المرئيين في الحياة، وتقول: هناك الكثير من الفئات في المجتمع تحتاج إلى توقفنا واهتمامنا، لكننا للأسف لا نراهم، وهم يشعرون بقوة بهذا الواقع المؤلم، لهذا أردت أن أتوقف لأعبر عن هذه الفئة وأسلط الضوء عليها من خلال عملي الفني، فتعرفت إلى أشخاص منهم وعملت على إبراز قصصهم، منهم أطفال من أصحاب الهمم، خادمة، عمال، أطفال شوارع، ثم بدأت البحث وخرجت بلوحة كبيرة تمثل هذه الفئة من مجتمعات مختلفة حول العالم.الفتيات أكثر إقبالاً

برنامج كلية الفنون ممتد من السنة التأسيسية وحتى السنة الرابعة، أي أن الطلبة يمرون بمراحل جديدة كل سنة ويمرون باختبارات كافية، ليتعرفوا إلى توجهاتهم الفنية التي عادة ما تكون محيرة في البداية تبعاً لتشعب الفنون المعاصرة، حسب ثائر هلال، الأستاذ بالكلية، ويقول: بعد المرور بمراحل التصفية والتجريب يصبح الطلبة مستعدين لإنجاز وتقديم أول مشروع فني ومهني لهم، وهو ما يقدمونه في مشروع التخرج الذي يعملون عليه طوال العام، ليعكسوا خبراتهم المكتسبة سنوات الدراسة، فيتجه بعضهم للرسم، وآخرون للنحت، وقسم آخر يفضل الفن المفاهيمي، أو الديجيتال، ويأتي هذا بمساعدة جلسات النقاش الجماعية مع الأساتذة، وما بين الطلبة أنفسهم، فيساعد هذا النقاش في الارتقاء بالأفكار وتنقيح تجربة الآخر، ويشير إلى أن بعض الطلبة ينجحون في الوصول إلى أهدافهم، بينما تتعارض موهبة البعض مع أهدافهم فيصطدمون بالواقع، وهذا ما تحاول الجامعة أن تبعدهم عنه، أما عن عدد الخريجين المشاركين بالمعرض فيذكر أنهم 17 طالباً وطالبة في قسم الفنون الجميلة، وهذه المرة الأولى التي يصلون فيها إلى هذا العدد، فيفوقهم عدد طلاب الغرافيك والتصميم الداخلي عادة، ويعلل إقبال الفتيات على دراسة الفنون الجميلة أكثر من الشبان، إذ بلغ عددهن 15 من أصل 17، بأن الثقافة المحلية ما زالت تعتبر الفنون الجميلة كمجال عمل أقل حظاً من غيره للحصول على فرص عمل مناسبة، وهذا المفهوم ليس صحيحاً بالضرورة.

عائشة الجابري: سعيدة بتزيين استراحة سد الرفيصة

استوحت الطالبة عائشة الجابري فكرة عملها الفني «أحجار دائرية» من بيئتها الجبلية في منطقة كلباء، والتي استمدت منها القوة والصلابة بالإضافة إلى الكثير من الخصائص، لهذا قررت أن تدرس هذا الحجر وتتعمق في تكوينه أكثر فأكثر وكأنها تتعرف إلى ذاتها فيه، وتقول: هذا الحجر كان شغلي الشاغل على مدار العام، ففكرة تقديمه بمشروع فني يليق به ويشبهه كانت مسألة محيرة استغرقتني الكثير من التجارب، فنقلت الحجارة الضخمة من كلباء إلى الشارقة، وبدأت العمل عليها، مرة أرسم عليها، ومرة أعمل فيها ثقباً، ومرة أحاول كسرها، أو الطباعة عليها لأوصل فكرتي، كنت أجرب كل شيء بغاية استيعاب هذا التكوين والتواصل معه، حتى وصلت إلى حقيقة أن الحجر له بداية لكن ليس له نهاية، وقد قال فيه أحد الفلاسفة «لو أن الحجر يتكلم كان ليكون أذكى مخلوق على وجه الأرض، لأنه شاهد على كل الأحداث التي مرت عليه».
وهكذا استهدت «الجابري» إلى تصورها عن المشروع الذي عبرت عنه بمجسمات صخرية صممتها بحركة دائرية لا متناهية ترمز بها إلى الأبدية، بالإضافة إلى المطبوعات الورقية. وعن توجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة باقتناء مشروعها قالت: لم أكن أتوقع أبداً أن يتبنى صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة، مشروعي الفني، لقد فاجأني وأبهرني بأن بادر بتبني المشروع حتى قبل انتهائي من الكلام عنه.وقال سموه: كنت أنوي تزيين استراحتي بالورود، لكن أنتِ أتيتني بالفكرة، هذا العمل يجب أن يكون موجوداً في استراحة سد الرفيصة.
وتضيف بأنها تستعد حالياً لاستكشاف الموقع ووضع تصورها عن الأحجام، والموقع الخارجي، الإضاءة، ولوازم العمل، مؤكدة أنها تشعر بحماس كبير يوازي حجم المفاجأة والامتنان اللذان يمدانها بطاقة كبيرة على العمل، ورغبة بإثبات جدارتها واستحقاقها لهذا التكريم وهذه المسؤولية التي تشرفت بها.

Image

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الإضافات