هناك الكثير من المعلمين من يقوم بعمليات البحث بطرق غير مقصودة في بعض الأحيان، وهذا النوع من المعلمين يعتبر من المعادن الجيدة من المعلمين، والتي ينبغي صقلها وتلميعها بالتدريب اللازم الذي يجعلها ذات قيمة أكبر، وينتقل بها إلى المراحل المثمرة، فهو كالشجرة المثمرة التي لم تتوفر لها الموارد التي تسرع، وتزيد كمية إنتاجها.
وتكمن ثروة المعلم الباحث في أنه يسعى إلى اكتشاف أسباب مشكلات كثيرة، فهو من النوع الذي ينتابه الفضول لمعرفة السبب، وهذا يدفعه إلى تجربة العديد من الطرق لحل المشكلة التي تواجهه، وملاحظة الأثر، فهو متأمل بالدرجة الأولى، وممتلك للعديد من المهارات اللازم غرسها في جيل القرن الحادي والعشرين، ومن الأهداف التي يتوقع تحقيقها بتشجيع المعلم الباحث على البحث والتقصي تمكين المعلم من تحسين ممارساته التعليمية، وإحداث تغيير مهم ودائم في تعلُّم الطلبة، وزيادة دافعية المعلم وتدعيم ثقته عند اتخاذ قراراته التعليمية. كما أنه يعطي للمعلم الفرصة للبحث والاستقصاء، ويحسن التواصل بين المعلمين والباحثين التربويين، وبين المعلمين وزملائهم والإدارة المدرسية والمجتمع المحلي .
وهناك مجالات كثيرة للبحث يمكن للمعلم أن يقدمها خلال ممارساته التعليمية، منها المشكلات التربوية والتي تتصل بالمنهاج وطرائق التدريس وأساليب التعلم والكتاب المدرسي والضعف في التحصيل، والمشكلات النفسية والتي تتصل بمشاعر الطلبة وسلوكهم كالخوف والخجل والانطواء والكذب والسرقة، والمشكلات الاجتماعية كالهروب من المدرسة والعدوان وعلاقة المدرسة بالبيئة الاجتماعية وعلاقة الطلبة مع المعلم وعلاقة الطلبة مع بعضهم بعضًا، بل وحتى المشكلات المادية التي ببيئة المدرسة ومرافقها كالحديقة والمختبر والمكتبة وغيرها.
وحتى تتبلور هذه الفكرة في المجتمعات المدرسية، لا بد من تعزيزها من خلال أساليب كثيرة، لعل من أنجحها إقامة المسابقات التي تبنى على أساس البحث العلمي أو الإجرائي على الأقل، من باب غرس حب البحث لدى المعلم، كما يمكن تنظيم ملتقيات بحثية بين المدارس، ومؤتمرات مصغرة على مستوى المنطقة لعرض الأفكار العلمية التي توصل إليها المعلمون الباحثون، كما يمكن إقامة ندوات علمية لباحثين وأكاديميين من باب تبادل الخبرات البحثية الأعمق، وتشويق المعلم للبحث العلمي، وإكسابه الطرق الصحيحة لإجراء البحوث.
وهناك مجموعة من الصفات التي يتصف بها المعلم الباحث، والتي تمكنه من الإبحار في البحث بكل متعة، منها حب الاستطلاع والشغف للمعرفة، فهو بمثابة الجذور الأولى للمعرفة ويلعب دوراً هاماً وفعالاً في عملية التعليم والتعلم الذاتي بشكل خاص لأنه وراء كل معرفة واكتشاف. ومن هذه الصفات أيضا سرعة البديهة وقوة الملاحظة، والتفكير الناقد فالخبرات والمعارف لا بد أن تحلل وتقوم وتفهم لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الموارد العقلية للباحث. كما أن المعلم الباحث يتصف بالمرونة العقلية وسعة الأفق، والمثابرة، والعمل التشاركي من خلال روح الفريق من أجل تحديد أفضل الممارسات المنهجية وتطوير معايير المهنة.
رحمة بنت سالم الحارثية
[email protected]