د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي
يهل علينا رمضان الخير والعطاء كل سنة، ويتفاوت الناس في تعاملهم معه، فهناك من يجتهد ويجد في نيل الأجر والثواب فيصوم بالشكل الصحيح ويؤدي كل أعمال الخير والبر من صلاة وصيام وزكاة وصدقة، من أجل نيل الخير العميم. وهناك من قصر في صيامه، فلم يصم إلا عن الأكل والشرب، بينما لم يؤثر الصوم فيه من الناحية السلوكية والأخلاقية. أما الصنف الأخير من المسلمين فهو الذي لا ينتمي للاسلام إلا من خلال الأسم، فهذا الصنف لا يفرق بين رمضان وباقي الشهور، فتراه لا يصوم ولا يعرف معنى الصيام، وبالعكس أحيانا يجاهر بعدم صيامه وكأنه جاهر في شيء عظيم.
إن الصيام مدرسة عظيمة تفتح أبوابها مرة في السنة لمدة شهر كاملا، يتم فيه تربية وتعليم مكثف للمنتمين لهذه المدرسة من أجل أن يتخرجوا منها بدرجات عالية. ولو أتينا إلى ما يتم تقديمه للمنتمين لهذه المدرسة لوجدنا أن هناك محتوى وأنشطة التعلم وخبرات يمرون بها من أجل تحقيق أغراض الصيام. فمن ضمن المحتوى الجوانب الايمانية المتعلقة بالصيام وفوائده الدينية والصحية، أما الأنشطة التعليمية وخبرات التعلم فهي معايشة المتعلم لرمضان وسلوكياته فيه، فتمر عليه مواقف يتم فيه إختبار صيامه مثل مواقف مرتبطة بحلاوة الأكل وبرودة الماء، ورؤية مغريات الحياة مثل النساء الفاتنات والموسيقى والكلام الحلو في هتك أعراض الناس والنميمة والشتمية فيهم. إن ذلك كله واكثر يتم تقديمه في مدرسة الصيام، فمن جد وأجتهد وثابر على الطاعة وغالب المعصية فقد فاز وحصل على إمتياز، ومن قصر وخالف ولم يجتهد في هذه المدرسة فقد خسر وخاب.
يهذب سيد الشهور (شهر رمضان) النفس ويربيها على الكثير من خصال الخير، فهو خير مربي لخصال الصبر والعطاء، والانفاق، وتكييف النفس وتهذيبها للبعد على كل ما يحط من قدرها. وكتوضيح لبعض من هذه الخصال، فنجد مثلا أن الصوم يربي النفس على الصبر والتحمل، فالانسان في غير رمضان متعود على الأكل والشرب في أي وقت شاء، وأي نوع من الماكولات والمشروبات، أما في رمضان فإن الوضع مختلف تماما، فهو لا يستطيع أن يأكل أو أن يشرب في فترة الصيام التي قد تأخذ ثلثي اليوم، كما أن عليه أن يكون حذرا فيما يأكل ويشرب حتى لا يؤثر عليه دينيا وصحيا، وهذا كله يحتاج إلى صبر وتحمل وأن يغالب الشيطان ووسوسته من أجل نيل رضا ربه وعفوه وكرمه.
أما الخصلة الثانية من خصال الخير لرمضان، فهي خصلة العطاء والانفاق ومقاومة النفس عن البخل والشح، فنحن نعرض أن الانسان جلب على حب المال، ورمضان هو شهر الانفاق والعطاء، وهنا يكون الأمر صعبا على بعض الناس كونهم لم يتعودوا على الإنفاق وبذل المال، بينما يطالبهم رمضان بأن يكونوا منفقين؛ مزكين ومتصدقين، وهذا معناه مغالبة النفس التي تحب المال من أجل الفوز والنجاح في الدنيا والأخرة. وإذا ما تعود الانسان المسلم على البذل والعطاء في رمضان، فإنه قد يستمر عليه بعد رمضان إلا إذا رجعت حليمة إلى عادتها القديمة كما يقال، فعند ذلك يسأل الانسان نفسه، هل كان صيامي صحيحا خالصل لوجه الله؟
أما الخصلة الثالثة فهي إعادة برمجة النفس لشيء مختلف. فكما هو معروف أن كثيرا منا متعود على نمط معين وبرنامج معين في حياته، فقد يكون متعودا على عدم الاهتمام بصلاة الجماعة، وكثرة النم والشتم لغيره من المسلمين، أو يسمع الأغاني بكثرة أو يشاهد المسلسلات والبرامج التلفزيونية دون رقيب ولا حسيب، وطبعا بعض هذه المسلسلات والبرامج خادش للحياء، ولا يمكن مشاهدته في رمضان. وعندما يأتي رمضان يطلب من المسلم الاهتمام بالصلاة والبعد عن لغو الحديث وهتك أعراض الأخرين، كما عليه حفظ سمعه وبصره عن كل المفطرات. وهنا تأتي مجاهدة النفس والبعد عن كل ما ينزل من قدرها ويبعدها عن الجادة، فيتعود الصائم عن كل هذه المفطرات، فيرتقي بنفسه ويكيفها لعادات جميلة راقية يحقق فيها أهداف الصيام.
أما الخصلة الكبرى التي يحققها رمضان، وكل الخصال السابقة تؤدي إليها، هي خصلة التقوى، ومراقبة الله سبحانه وتعالى في كل عمل يقوم به الانسان. إن الغاية الكبرى من الصيام هي التقوى، وإذا ما قدر الصائم أن يحققها فقد حقق شيء عظيم وربى نفسه على شيء كبير. لذا على الصائم أن يستفيد من رمضان في بلوغ مرتبة التقوى، وان تكون مدرسة الصيام هي من تعينه على تحقيق ذلك. وكم من الناس دخل مدرسة الصيام وكانت التقوي بعيدة عنه، لكن بعد تخرجه منها، أصبح إنسانا متقيا لربه في كل سكناته وحراكته.
إنني أدعوا أحبائي وإخواني أن يستغلوا الفرص المتاحة لهم في هذا الشهر الفضيل، وأن يحققوا أهدافه واغراضه حتى ينعكس عليهم ذلك في حياتهم الدنيا والأخرة. فالإنسان منا لا يدري هل سيكون من الذين سيشهدون صيام رمضان القادم، فكم من الناس الذي نعرفهم كانوا بين ظهرانينا رمضان الفائت، ولكن لم يكن لهم نصيب في صيام هذه السنة، فقد غيبهم الموت. إننا بحاجة إلى تربية أنفسنا على فعل الخير والمسابقة فيه، والبعد عن الشر وكل جوانب الفسوق والعصيان من أجل أن نرتقي بأنفسنا ونضعها في المكان اللائق بها في الدنيا والأخرة، والفرصة متاحة لنا وبين أيدينا هذه الأيام، فعلى الجميع البدار البدار لذلك وليكن شعار كل واحد منا “أريد أن أكون افضل عما كنت عليه، ورمضان هو من يساعدني على ذلك”. لقد احبتت ان أدردش معك في بعض الجوانب التي أجد أن رمضان يقدمها لنا، وأتمنى لكم صياما متقبلا وعملا خالصا لوجهه الكريم.
خاص بمدارسنا دوت نت