سيف بن سالم الزعابي
طلبت المعلمة منه أن يحضر معه أمه في اليوم التالي من المدرسة وإلا فلن تقبله معها في الصف، فجاءت الأم فكان رد المعلمة خذي طفلك هذا ؛ فإنه أغبى من أن يتعلم.
وهذا تأخر في النطق وصعبت عليه الألمانية فلم تجري على لسانه حتى بلغ العاشرة ، فظن الأبوان أنه بليد ، كما أنه وبعد خمس سنوات على مواظبته في المدرسة الكاثوليكية أرسل أحد المعلمين إلى والده تقريرا مفاده أن لا داعي في اختيار تخصص لابنك هذا ؛ لأنه بليد ولا يمكن أن ينجح.
لم تيأس أم الطفل الأول ، فستقالت من وظيفتها ، وتفرغت بكل عزم لتدريس ابنها في المنزل ، فاجتهدت على ذلك وصرفت له الغالي والنفيس رغم فقرهم ، فعجز اليأس أن يجد بابا مفتوحا لقلب هذه الأم الصبورة ؛ فكانت النتيجة أن ابنها أصبح رجلا خلد التاريخ ذكره ، وسجل في سجل حياته أكثر من ألف براءة اختراع ، رقم لم يحققه أحد قبله ولا بعده ، فكان أشهر اختراعاته الكهرباء ، وكان ذالك الطفل هو توماس أديسون.
وأما الطفل الثاني فقد ظن والداه والمعلم والمدرسة أنه بليد ؛ لأنه لم ينطق إلا عند العاشرة ، ولأنه كان دائما ما يغرق في أحلام اليقظة ، فكانت كثيرا ما تأخذه من عالمه إلى عالم آخر من الخيال ، حتى أنه لم يكن يبدي كثير اهتمام بما حوله ، ولا بدروسه ، فاستمر على هذا الحال حتى ذالك اليوم الذي وقع في يده كتاب في الرياضيات ، وكان حينها قد بلغ الثانية عشر ، أعجبه الكتاب فاهتم به وبدأ بدراسته ودخل في الفيزياء ، فكان الكتاب بمثابة بوابة عبر من خلالها إلى عالم جديد ، تعلم من خلاله الفيزياء ، فكتب العديد من المقالات في ذالك ، ونشرها وبعثها إلى العديد من الجامعات ، وبالرغم من عدم اهتمام العالم من حوله بكتاباته إلا أنه لم ييأس ، واستمر في أبحاثه وتطوير مقالاته وداراساته ، ولم يجد اليأس إلى قلبه سبيل ، فبعد صبر طويل ، وجد واجتهاد ، ومحاولات تلو محاولات ، استطاع أخيرا أن يجبر العالم بأسره للإلتفات إلى ما وصل إليه من نظريات ، بعدما أفشل جميع محاولات اليأس لتّسلل إلى قلبه ، فكانت أعظم نظرياته في الفيزياء هي النظرية النسبية ، فكان هذا الطفل شخصا خلّد له التاريخ اسما في سجل العظماء ” ألبرت أينشتاين ” .
قارئي العزيز: اليأس هو اعتراف بالفشل وقرار بالإعدام للقدرات ومحاولات الوصول للنجاح التي يمتلكها الإنسان في داخله . إن التاريخ قد خلد أسماء كثيرة في قائمة العظماء ؛ لأنهم لم يعرفوا اليأس في حياتهم ، بل ولم يعترفوا بوجوده ، ولم يعرف اليأس طريقا لقلوبهم ، فقد صبروا وكابدوا حتى وصلوا .
هناك وفي أحد زوايا الحياة كثيرون أبدعوا لليأس فنا ، حتى تعجز أن ترى في أعينهم بصيص أمل ، فلا ترى في أعينهم وعلى ملامحهم إلا إشارات اليأس الحمراء ، التي تستوقفك وتقول : لا تحاول فقد حاول الكثيرون قبلك ولم يصلوا ، فيعيش دون أثر ويموت دون أن يعرفه التاريخ ؛ لأنه أراد أن يكون كذلك عنصرا زائدا على هذه الحياة ، فقد قيل : إن لم تزد شيئا لهذه الحياة فأنت زائد عليها .
قارئي الحبيب : قد تصادف في حياتك الكثير من هؤلاء الناس ، الذين سرعان ما وصل اليأس إلى قلوبهم ، وهم لم يحاولوا التغلب عليه بعد ، فلا تكن منهم ، ولا تعرهم أي اهتمام ، وتذكر إذا ما طرق اليأس قلبك يوما ، كيف كان صبر حبيبنا محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة ، في سبيل إيصال الدعوة إلينا فلم يعرف اليأس إليه طريق ، رغم كل الصعوبات والتحديات التي كان يواجهها في حياته ، ومن أقرب الناس إليه .
عزيزي القارئ إن كنت تطمع أن تكون رقما صعبا في هذه الحياة ، فانفض عن كتفك غبار اليأس ، وشمر ساعد الجد وانطلق ، فالتاريخ لا يقبل في سجلاته إلا اؤلئك الصابرين ، والله يقول ” وبشر الصابرين ” .
همستي لك أيها الرائع : آن الأوان لكي تغلق باب اليأس ، وأن تنطلق إلى عالم جديد ، وفرض واقع جديد لحياتك ، فالعالم ينتظر اولئك الذين قرروا أن يكونوا أرقاما صعبة في التاريخ .
خاص – مدارسنا