د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي
تعد عملية التخطيط من العمليات المهمة في جميع مناحي الحياة ومنها العملية التربوية. ولما كان الأمر كذلك، فان التخطيط التربوي من المجالات التي يحظى باهتمام كبير من قبل التربويين، فهي من المجالات التي يتم تدريسها على المستوى الجامعي، كما يمنح بعض الطلبة فيها شهادات عليا على المستوى الماجستير والدكتوراة.
وبالرغم من المناداة بضرورة الاهتمام بالتخطيط في مجال اعداد المعلمين وتأهيلهم وكذلك في المناهج والتقويم وغيرها من الجوانب التربوية المختلفة، الا ان الواقع الذي نعيشه في سلطنة عمان عكس ذلك. لقد اثبت التخطيط التربوي في السلطنة فشله في توقع المستقبل فيما يتعلق باعداد المعلمين الجدد الذين تحتاجهم وزارة التربية والتعليم سنويا. وقد أدى فشل التوقع الى نتائج كارثية على مستوى المدارس. وفي سبيل اكمال الصورة دعوني أحكي لكم عن مساوئ التخطيط في مجال التعليم العام على مستوى اعداد المعلمين.
مر اعداد المعلمين في سلطنة عمان منذ ثمانينات القرن الماضي بعدد من المراحل، فقد كان يتم في معاهد اعداد المعلمين، وكان يدخل هذه المعاهد من اكمل الصف الثالث الإعدادي في ذلك الزمان، ثم انتقل بعد ذلك الى مستوى كليات متوسطة لمدة سنتين دراسيتين، حيث يتم قبول الطالب ليصبح معلما بعد الثانوية العامة، وكانت هذه الكليات تتبع وزارة التربية والتعليم، وهي بذلك تسد حاجة الوزارة من المعلمين وفق خطط موضوعة من قبل الوزارة.
بعد ذلك تم تحويل هذه الكليات الى كليات جامعية وكان عددها ست كليات تم قبول سنويا فيها عدد كبير من الطلبة. بالاضافة الى افتتاح كلية التربية في جامعة السلطان قابوس في عام 1986. وقد نادى بعض التربويون في ذلك الوقت بضرورة التركيز على الكيف لا على الكم، ولكن لا مستجيب لهذا النداء. واستمر الحال على ما هو عليه حتى وصلنا في عام 2005 الى حالة من التشبع في العديد من التخصصات، ونتيجة لذلك، تم الغاء خمس من أصل ست كليات تربوية وتم تحويلها الى كليات تطبيقيه على ان يتم تحويل الكلية الباقية تدريجيا الى كلية تطبيقية، وقد تم ذلك اذا انتهى وضع التخصصات التربوية في هذه الكلية أخيرا.
ثم جاءت الموجة والهجمة على كلية التربية بالجامعة، فتم تقصيص وتجميد للتخصصات، ومنها تخصصات مشهود لها بالرصانة من حيث تمكن الخريجين فيه مثل تخصص العلوم والرياضيات. وهنا يظهر مرة اخرى التخبط في التخطيط، اذ كيف يعقل أن يتم تجميد وتوقيف تخصصات لها مكانة وقيمة مهمة في المنظومة التربوية في السلطنة، وفي الجامعة الحكومية الوحيدة، التي يفترض دعمها ماديا ومعنويا لتكون منارة علم في المجتمع، وأن يناط بها قبل غيرها في اعداد قادة الغد ومنهم المعلمون بالطبع.
لكن حدث ما حدث وتكلم الناس في هذه الجامعة وطالبوا بعدم فعل ذلك لكن لا مستمع لصوتهم ولا مجيب لندائهم، وكأن هؤلاء الناس لا يفقهون شيئا في التعليم وفي التخطيط التربوي. وقامت الكلية بما قامت به من جهود من اجل المحافظة على كيانها، وسمعتها القوية في المجتمع العماني وليس هنا الحديث للتفصيل في ذلك.
واستمر الحال على ما هو عليه، معتقدين اننا على ما يرام وان كل شي تحت السيطرة، حتى جاء العام الدراسي الحالي (2012/2013) حتى اكتشفنا أن هناك نقص كبير في اعداد المعلمين الجدد في تخصصات العلوم والرياضيات والتربية الاسلامية ومواد المهارات الفردية.
ولحل هذه المشكلة لجأنا الى الأخوة المعلمين من الدول الشقيقة والصديقة مرة أخرى بعدما كان عددهم قليل. ولكن يا ليت حصلنا على العدد الكاف والمناسب من هؤلاء المعلمين، اذ حتى هذا الحل لم يكن مكتملا، اذ اعتذر البعض وتأخر وصول البعض الأخر، ناهيك عن مشاكل اللغة والطباع وغيرها لدى بعض المعلمين الوافدين.
وقد صاحب هذا النقص تحويل بعض المعلمين وخاصة المتميزين وذوي الخبرة في التخصصات النادرة والمهمة كالعلوم والرياضيات الى وظائف ادارية، وهنا تظهر اشارة اخرى على تخبط التخطيط في التعليم العام من قبل وزارة التربية والتعليم وكذلك الهيئات الحكومية الأخرى المرتبطة والتي تخطط للتعليم في هذا البلد.
ان من يدفع هذا التخبط للاسف هم أبنائنا وبناتنا الذي ينشدون العلم والمعرفة في مدارسهم اليوم، اذ كم سمعت شخصيا ومن اناس مختلفين ومن محافظات تعليمية مختلفة عن نقص المعلمين في التخصصات العلوم والرياضيات والتربية الاسلامية. وأنه لحد كتابة هذا المقال لا يوجد معلمين لبعض الصفوف في بعض المدارس.
ان ما أنادي به في هذا المقال ضرورة اعادة النظر في عملية التخطيط في وزارة التربية والتعليم من حيث فاعليته والأدوات التي يتم استخدمها، ذلك ان التخبط في التخطيط معناه تخبط في كل شي وفي النهاية يؤدي الى نتائج كارثية على المستوى الوطني.
ان الحلول الوقتية التي تقوم بها الوزارة لتغطية العجز في اعداد المعلمين كالانتداب أو نظام الأجر اليومي أو تقسيم الحصص على المعلمين أو دمج بعض الشعب في بعد المدارس لن يجدي نفعا على المدى البعيد. كذلك تقع المسئولية على عاتق المعلمين في التقليل من هذا التخبط من خلال عدم خروجهم لاجازة فصلية أو سنوية الا لأسباب قاهرة.
فهناك من المعلمين من يأخذ اجازة دون راتب لمدة فصل أو فصلين دون أن يكون السبب لذلك قهريا كالمرض. كما ان البعض لديه ألفة بالعيادات الطبيه الخاصة منها والحكومية، فيأتي كل يوم أو يومين باجازة طبية. كما على الوزارة أن تفكر بطريقة مناسبة لتشجيع المعلمين للبقاء في تخصصاتهم وعدم تغيرها لأنه لا يحصل التكريم والتعزيز المناسب.
ان الموضوع طويل وذو شجون، لكنه مهم وضروري في طرحه ومناقشه، ويجب على الوزارة أن تفكر بحلول جذرية لهذه المشكلة وأن يكون عملها في مجال التخطيط عمل علمي مدروس.
خاص بمدارسنا دوت نت