د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي
يطرح بين الفنية والأخرى أهمية تنويع مسارات التعليم لمرحلة التعليم ما بعد الأساسي (الصفين 11 و12) من اجل توفير تخصصات تحتاجها الدولة لا تتطلب أن يكون لدى الفرد فيها شهادة جامعية أو دبلوم عالي ما بعد الصف الثاني عشر.
وهذا الطرح له ما يبرره وله أسباب عديدة منها: أولا كون أن السلطنة من دول ذات الأقتصاد النامي المتطور نتيجة لتوفر البيئة الأقتصادية والسياسية الآمنة التي شجعت قيام مجموعة من الشركات المحلية والعلمية بفتح مصانع في البلد، الذي يتطلب وجود عمالة مهارة.
ثانيا: وجود عمالة أجنبية كبيرة في المهن الفنية المتوسطة مثل النجارة والحدادة والسباكة والتوصيلات الكهربائية وغيرها. أما السبب الثالث فيعود إلى أن هناك قوى عاملة محلية موجودة بكثرة يمكن توجيهها إلى الإنخراط في هذه المهن، وبالتالي التقليل من نسبة الباحثين عن عمل،
ورابعا هو تباين القدرات بين الطلبة، فلا يمكن القول والجزم بأن جميع الطلبة يمتلكون نفس القدرات والإمكانات التي تؤهلهم لتكملة مرحلة التعليم ما بعد الأساسي بنمطها التقليدي المعمول به حاليا، بل تجد أن هناك نوعية من الطلبة لا يناسبها هذا النمط من التعليم، وإنما يناسبها تعليم يعتمد على العمل اليدوي (Hands- on)، أي أعمال يدوية مثل النجارة والسباكة.
إن المتتبع لخبرات الدول المختلفة في العالم من حولنا سواء أكانت عربية أم أجنبية يجد أن التعليم فيها تتنوع مسارته في الصفوف العليا من أجل إيجاد مستويات مختلفة من الأعمال مما يساعد على توزيع العمالة الوطنية إلى المهن المختلفة. ولقد ساعد هذا التوجه هذه الدول إلى التقليل من نسب البطالة من جانب وإلى توفير عمالة وطنية ماهرة من جانب أخر. وهذا الشيء في الحقيقة كان معمول به في بلدنا منذ سنوات طويلة عندما تم فتح مجموعة من المعاهد المهنية والمدارس التخصصية (التجارية والصناعية والزراعية) ثم أختفت بعد ذلك لأسباب معينة أدركها المسؤولون في ذلك الوقت. لكن لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن لا يتم إعادة النظر فيه، والتفكير فيه بشكل جدي.
إن تنويع مسارات التعليم ما بعد الأساسي إلى تعليم أكاديمي وتعليم فني تقني يحقق العديد من الفوائد إلى الدولة منها على سبيل المثال لا الحصر:
توفير بيئة تعليمية تناسب مختلف مستويات الطلبة وقدراتهم، وبالتالي التقليل من التسرب من التعليم، وعدم إكمال بعض الطلبة تعليمهم في مرحلة التعليم ما بعد الأساسي.
توفير عمال وطنية مهارة في التخصصات التي يحتاجها سوق العمل العماني في الفترة القادمة وبشدة، كون أن المهن المستهدفة هي التي يكثر الطلب عليها.
التقليل من وجود العمال الأجنبية في البلد، وبالتالي تستفيد الدولة في أكثر من جانب، منه ما هو متعلق بالمشكلات الأمنية والأخلاقية، والأخر جانب إقتصادي، يتعلق بالتحويلات المالية التي تقوم بها تلك العمال.
التقليل من نسبة الباحثين عن العمل في الدولة، وهذه نقطة في غاية الأهمية كون أن كثير من دول العالم تؤرقها مشكلة الباحثين عن العمل وكيفية التغلب عليها.
ولكي تنجح آلية تنويع مسارات التعليم في مرحلة ما بعد التعليم الأساسي يجب أن تتميز بمجموعة من الصفات والخصائص التي تساعدها على الإستمرار والبقاء منها على سبيل المثال لا الحصر:
البدء بالتخصصات التي يتطلبها سوق العمل وبشدة.
توفير الدعم المالي والفني اللازم والمستمر للتعليم التقني.
السماح للطالب الملتحق بهذا النوع من التعليم (التعليم التقني والفني) بمواصلة دراسته الجامعية والعليا.
إعطاء المتعلمين في هذا النوع من التعليم مجموعة من المواد التي ترسخ فيهم حب العمل والالتزام والأخلاق المهني.
الأهتمام بالجانب العملي والتطبيقي في المواد المقدمة للطلبة.
الاهتمام باختيار الكادر التدريسي المناسب والجيد.
التدرج في فتح التخصصات المهنية والتقنية بما يتناسب وحاجة سوق العمل العماني.
أما بالنسبة للتخصصات التي يمكن فتحها للطلبة، فيجب أن تبنى من حاجة سوق العمل العماني ولا تكون عشوائية وإلا سنصل مرة أخرى إلى مرحلة من وجود باحثين عن عمل، بالرغم أنهم يحملون شهادات مهنية. فنحن في عمان بحاجة ماسة إلى متخصصين في ميكانيكا وكهرباء السيارات، وإلى متخصصين في النجارة والسباكة واللحام وإلى متخصصين في تنجيد المفروشات وأعمال الديكور المختلفة. ولو نظرنا إلى مناطقنا الصناعية المنتشرة في السلطنة نجد إنتشار واضح وكثرة في العمالة الوافدة تقدر بالآلأف التي تعمل في هذه المهن، وإن السبيل الوحيد للتقليل منها ومن سلبياتها تشجيع الشباب العماني الأنخراط فيها.
إن تنويع مسارت التعليم في مرحلة ما بعد الأساسي اصبح ضرورة ملحة يفرضها الواقع الذي نعيش فيه، لكن يجب التخطيط له بشكل جيد حتى نضمن استمراريته وديمومته، كما لا يمنع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا الجانب.
خاص بمدارسنا دوت نت