هل وصل المنهج العماني لمرحلة الاستقرار؟

الدكتور سيف بن ناصر المعمري

يبدو للبعض مع اقتراب بداية العام الدراسي الجديد 2012/2013م أننا على أعتاب عام دراسي مختلف عن العام الماضي الذي اتسم بعدم الاستقرار نتيجة للتغيرات التي شملت المؤسسة التربوية العمانية في بنيتها الإدارية، وكذلك في أوضاع العاملين بها وعلى وجه الخصوص المعلمين اللذين كانت لهم مطالب مرتبطة بتحسين في أوضاعهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية مما يقود إلى تحسن في الوضع التربوي الذي تعرض لنقد كبير خلال العامين الماضيين من قبل الحكومة والمجتمع والإعلام، حيث عبرت هذه الأطراف عن عدم رضاها عن أداء المدرسة العمانية سواء في الجانب التحصيلي أو الجانب السلوكي للطلبة، ودارت حوارات ونقاشات حول الإصلاح التربوي أو التطوير التربوي ولكن من أين يجب أن يبدأ؟

 

قد يكشف تشخيص الواقع التعليمي عن كثير من جوانب قصور بحاجة إلى أن يتم الإلتفات إليها من أبنية مدرسية، ومنهج، ومعلمين، وتقويم وعلاقة مع المجتمع، إلا أن البعض يرى أن إشكاليتنا هي في المنهج المتبع، وتطرف البعض في مطالبه الداعية إلى إلغاء منهج التعليم الأساسي بأكمله، ودعا للعودة إلى نظام التعليم العام لأفضليته إذا ما قورن بمنهج التعليم الحالي، كما دارت حوارات عدة حول “المنهج التكاملي” المطبق من قبل بعض المدارس العمانية، وما إذا كان سيتم تعميمه على بقية المدارس العمانية نتيجة لأثره في النهوض بالمهارات الأساسية لدى تلاميذ هذه المرحلة كما أشارت بعض المقالات الصحفية التي نشرت في جريدة الرؤية من قبل أحد التربويين اللذين كان لهم دور في تطبيق هذا المنهج في وزارة التربية والتعليم ومنها “المنهج التكاملي بين تأييد مجلس الشورى وإصرار الوزيرة”، ولقد حسمت وزارة التربية والتعليم موقفها من هذا الموضوع حيث قررت إلغاء المنهج التكاملي والاستفادة من جوانبه الإيجابية دون تبرير منهجي يوضح لماذا ستتوقف الوزارة عن المضي في تطبيق هذا المنهج أو لماذا ستمضي في طريق تعميمه؟ وقد يرى البعض أن اتباع “آلية الحذف والإضافة” في التعامل مع المنهج مبررة في هذه المرحلة التي تسعى فيها المؤسسة التربوية إلى حل كثير من الإشكالية التي تحد من فاعلية المنهج الموجود، ولذا طبقت هذه الآلية مرة أخرى عندما عدلت الخطة الدراسية لجميع المراحل الدراسية حيث حذفت منها مجموعة من المواد الدراسية، وقلص نصاب مواد دراسية ليضاف إلى مواد دراسية أخرى، مما يعطي مؤشراً على أننا لا نزال -على المستوى التعليمي- نفهم المنهج على أنه مجموعة من المواد الدراسية المنفصلة التي يمكن أن نحذف منها أو نضيف إليها مواد دراسية أخرى، وتبعاً لذلك يكون مفهوم تطوير المنهح عندنا هو حذف وحدات دراسية أو دروس من الكتاب وإضافة دروس أخرى دون المرور بالعملية المنهجية المتبعة في عملية تطوير المنهج.

تثير هذه التطورات المتعلقة بالمنهج التي يشهدها النظام التعليمي تساؤلات جوهرية حول حقيقة المنهج المتبع والذي سيتم تدريسه خلال العام الدراسي القادم، هل هذا المنهج ثابت أم أنه متغير؟ هل المنهج المتبع يعبر عن الرؤية التقليدية للمنهج أم يعبر عن الرؤية الحديثة؟ هل الفجوة كبيرة بين المنهج المكتوب والمنهج المنفذ؟ هل هناك فجوة بين المنهج المكتوب والمنهج الخفي؟ وإذا كان المنهج المنفذ في جميع المدارس هو واحد هل الإمكانات المتوافرة لتنفيذه في جميع المدارس العمانية هي واحدة؟ وإلى أي مدى يتمتع هذا المنهج بالمرونة ويستجيب للتطورات المختلفة التي تشهدها البلد منذ عامين؟ هناك العديد من الأسئلة المرتبطة بالمنهج المتبع في مدارسنا العمانية؟

تقودنا القراءة الأولية لواقع النظام التعليمي إلى الحديث عن ثلاثة مناهج في المدرسة العمانية اليوم:
أولاً: المنهج المكتوب وهو المنهج المحدد في وثيقة فلسفة التربية العمانية والذي تم ترجمته إلى مجموعة من المواد الدراسية حدد لكل منها مجموعة من الأهداف المعرفية والوجدانية والمهارية ومجموعة من المواضيع التي تساعد على الوصول إلى هذه الأهداف، وعادة ما يختزل هذا المنهج في “الكتاب المدرسي”.
ثانياً: المنهج المنفذ وهو ما يقوم المعلم بتدريسه من المنهج المكتوب أي من الكتاب المدرسي، وما يستطيع المعلم فهمه وتفسيره منه، أي أن المعلمين ينفذون المنهج عادة كما يفهمونه وليس كما تم تحديده في وثيقة المنهج، مما يؤدي إلى وجود فروق فيما يدرس للطلبة تعود إلى تفسير المعلم وقدرته على إيصال مضمون المنهج، وأيضا توافر التدريب للمعلمين، وتوافر العبء التدريسي المناسب، وتوافر الإمكانات التي تساعد على تنفيذ الأنشطة المضمنة في المنهج، وإذا لم تتوافر هذه الإمكانات فقد المنهج واقعيته، وهمشت الخبرات العملية، وركز المعلم على المعلومات النظرية فقط، وهذا ما يقود إلى وجود إشكالية بين النظرية والتطبيق، أو بين المنهج المكتوب والمنهج المنفذ، وهذه الإشكالية تقود إلى إشكالية أخرى ترتبط بتقويم الطلبة وتفسير الدرجات التي يحصلون عليها.
ثالثاً: المنهج الخفي وهو المنهج المرتبط بتفاعلات مجتمع المدرسة، من إدارة ومعلمين وطلبة، وهذا من أكثر المناهج أثراً، فهو يقدم خبرات للطلبة قد تكون إيجابية تساير الخبرات التي يقدمها كل من المنهج المكتوب والمنهج المنفذ، أو يقدم خبرات سلبية فيوجد فجوة بين ما يركز عليه المنهجان السابقان ويجعل من العملية التربوية في تحد كبير، وهناك كثير من الخبرات اليومية التي يمر بها الطلبة في إطار هذا المنهج تقلل من فرص اكتسابهم لكثير من القيم المرتبطة بالنظام والأمانة والانضباط وغيرها من القيم التي يكثر الحديث عنها في المجتمع ووسائل الإعلام، وإذا كان الأمر كذلك هل هناك اهتمام بضبط هذا المنهج، والسعي لأن تكون جميع خبراته إيجابية ومربية، أم أن الاهتمام ينصب فقط على المنهج المكتوب، وماذا لو نجح الطلبة في اختبارات المنهج المكتوب، ولكنهم مروا بخبرات سلبية من خلال المنهج الخفي، فكيف سيكون تقييمنا لنجاح النظام التربوي؟

بين المطالبات بتطوير المنهج والعودة إلى التركيز على المعلومات والتحصيل، تبرز مطالبات أخرى تركز على الاهتمام بالمخرجات القيمية للمنهج، والعمل على بناء عقلية وسطية متفتحة، وبين دعاة تفتيت المنهج إلى مجموعة مواد دراسية منفصلة، هناك من يؤكد على وجود منهج يقدم خبرات تعليمية مترابطة، وبين وجود منهج مكتوب ومنهج منفذ ومنهج خفي يبدو أن التركيز على المنهج المكتوب فقد لا يساعد على نجاح النظام التعليمي في تحقيق أهدافه بل أنه يصرف جهود التطوير والتقويم في اتجاه واحد فقط هو المنهج المكتوب، ولذلك يبدو أننا بحاجة إلى قراءة منهجية للمنهج وواقعه في هذه المرحلة المهمة من النظام التعليمي حيث لا تزال الرؤية غير واضحة لا عن فاعلية المنهج الحالي، ولا عن التطوير المنشود هل سيكون لجوانب في المنهج أم لكل المنهج.

 

Image
مقالات ذات العلاقة
Image