بقلم د. سعيد بن سيف العامري
مدارسنا.نت : يقصد بالثقافة الوطنية هي كل ما يعبر عن روح أبناء الوطن الواحد، عن ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، عن آلامهم وآمالهم ورؤيتهم المستقبلية، عن طموحاتهم وتطلعاتهم. إنها خلاصة الحياة الوجدانية والفكرية لمجموع أفراده. إن الثقافة الوطنية لا تتحدد من حيث الشكل لا بالأرض
ولا بالموقع الجغرافي ولا بالأصل العرقي وإنما تتحدد أساسا باللغة، أي أن اللغة ليست فقط مجرد أداة للتعبير كما يقال بل إنها أكثر من ذلك بكثير، إنها الفكر ذاته، إنها الوجدان الإنساني بمكنوناته وأبعاده المختلفة، أو كما قال عالم اللغة الألماني (كانثرإبسون cunther ibson) إن اللغة هي الروح الحقيقية للأمة، الروح التي تشكل عالما خاصا بها، تكشف فيه عن نفسها، إن الأمة هي أل “نحن” الذي يعي نفسه في اللغة ويتواصل بوساطتها.
ولما كانت المناهج التعليمية هي الوسيلة الأساسية التي تستخدمها المجتمعات في ترسيخ قيمها لدى أبنائها وتعليمهم وتثقيفهم لمواجهة متطلبات الحياة وتحدياتها فإن مناهج اللغة – أي لغة – ينبغي لها دون غيرها من المناهج التعليمية الأخر أن تعبر بصورة صريحة وواضحة عن ثقافة المجتمع الذي تنتمي إليه، بما يمكن من الاستدلال أو التحديد الدقيق للمجتمع الدي تؤول إليه تلك المناهج، أي أنه إذا كانت المناهج عامة معنية بغرس القيم الوطنية والمثل العليا في نفوس الطلاب فإن مناهج اللغة ينبغي أن تكون المحور الأساسي الذي تنطلق منه تلك الرؤى والأفكار، بل إن دول العالم كافة تعد مناهج اللغة البوصلة الرئيسية التي توجه ثقافة مجتمعاتها والإطار العام الدي يقود مسيرة نظامها التعليمي.
بناء على ذلك وفي ضوء ما شهدته مجتمعاتنا العربية في المرحلة الأخيرة من تطورات على المستوى الداخلي ألقت بظلالها على كافة مجالات ومناحي التنمية في تلك المجتمعات، فإن النظم التعليمية في تلك الدول لم تسلم من النقد والاتهام بالقصور وعدم ملائمتها للعصر، بل إن حتى السلطات التربوية ذاتها –بناء على تلك المستجدات – أدركت إن هناك ضرورة ملحة لمراجعة مضامين مناهجها التعليمية ومحتوى هذه المناهج بشكل دقيق ليس فقط من الجانب المعرفي والعلمي وإنما أيضا من الجانب القيمي والوجداني، وذلك بما يؤكد الأفكار والأساسيات الداعية إلى التماسك الاجتماعي والخصوصية الثقافية للمواطنة التي ينبغي غرسها في نفوس الأبناء.
وعليه فإن مناهج اللغة العربية في الدول العربية ينبغي أن تحمل الهوية الثقافية الذاتية للمجتمعات التي تنتمي إليها وأن تكون صادقة في التعبير عن هذه الهوية بحيث تكرس ثقافة أبناء الوطن وقيمهم وعاداتهم وأنماط حياتهم المنبثقة عن ثوابت العقيدة الاسلامية السمحة التي تؤكد الالتزام بالسمت العربي الأصيل القائم على احترام الكبير وتوقيره، ومراعاة الصغير والصبر عليه وتوجيهه وتعليمه الأسس والأخلاقيات الصحيحة، وأن تشتمل تلك المناهج على قيم حب الوطن والانتماء لترابه والولاء لرموزه الذين نذروا أنفسهم لخدمته وقدموا تضحيات جليلة للحفاظ على مكانته والذود عن حياضه، بالإضافة إلى إدخال مفاهيم جديدة ذات علاقة مباشرة بالواقع المعاصر والاستنتاجات المستقبلية من مثل مفاهيم البيئة والصحة والأمن والتفاهم الدولي والسلام الاجتماعي والسياحة والمحافظة على الموارد وصيانتها ووقت الفراغ وغير ذلك من القضايا وما تستلزمه من مطالب اجتماعية وتربوية.
وخلاصة القول أنه ينبغي النظر إلى مناهج اللغة ليست فقط مجرد مناهج لتعليم فنون اللغة ذاتها من قراءة وكتابة واستماع وتحدث، وإنما يجب أن تكون كذلك الأداة الرئيسية للتنشئة والتربية والتثقيف.