• Home
  • المقالات
  • الحاجة إلى العقول المبدعة: مشاكل مستعصية وفرص لا حدود لها

الحاجة إلى العقول المبدعة: مشاكل مستعصية وفرص لا حدود لها

الدكتور كريستوفر توماس:مدير الشراكات في مؤسسة جائزة ييدان

إن نظرة سريعة على عناوين الصحف اليوم تكشف لنا عن عالم يتصارع مع ” مشاكل مستعصية ” ــ فتغير المناخ والصراعات والتفاوت النظامي ليست سوى بعض القضايا التي تتحدى الحلول السهلة. ومع ذلك، يشعر العديد من الناس الذين يعيشون في عالم اليوم أيضا بفرص لا حدود لها. فالتقدم في الفنون والعلوم يغير حياة الناس والمجتمعات بطرق لم يكن بوسع الأجيال السابقة أن تتخيلها.

العقول المبدعة تقود التقدم

ولنتأمل هنا الثورة الخضراء، أو التكنولوجيا التي ابتكرها آيفون، أو لقاح كوفيد 19. فكل هذه الابتكارات تلهمنا. ولابد أن يكون أحد الجوانب الحاسمة في التعليم هو تعزيز الإبداع والابتكار لدى الجيل القادم؛ لمنحهم فرصة أفضل لمعالجة المشاكل المستعصية التي يواجهها العالم.

“إن العقل المنفتح هو عقل مبدع”، هذا ما قاله تشارلز تشين ييدان، مؤسس جائزة ييدان، في المؤتمر الذي نظمته مؤسسة جائزة ييدان ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخراً تحت عنوان ” التعلم في عالم متغير” . ركز المؤتمر على الإبداع وألقى الضوء على جانبين رئيسيين حاسمين للتعليم: القدرة على التخيل والقدرة على الإبداع.

وأضاف تشين: “إن عصر الذكاء الاصطناعي من المقرر أن يغير بشكل عميق الأساس الذي يقوم عليه التعليم… لأن الإبداع والأدلة والابتكار ستكون المحركات الرئيسية التي تقودنا عبر آفاق مجهولة”.

إذا كان التعليم يهدف إلى تمكين الطلاب من حل المشكلات وبناء العالم الذي يريدونه، فإن تعزيز إبداعهم يجب أن يكون أحد أهدافه الرئيسية. ويؤكد الحائز على جائزة ييدان لعام 2020 والحائز على جائزة نوبل في الفيزياء كارل ويمان أن التفكير النقدي يدعم الإبداع، مما يسمح للناس برؤية قضية أو مشكلة وحلها بطريقة مختلفة. ويتضمن ذلك القدرة على طرح الأسئلة واتخاذ قرارات جيدة كجزء من عملية حل المشكلات.

تعليم الإبداع

ولكن هل من الممكن تعليم الإبداع؟ كان إجماع المعلمين في المؤتمر “نعم”. واتفق كثيرون مع تقرير برنامج التقييم الدولي للطلاب الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تحت عنوان ” العقول المبدعة والمدارس المبدعة” ، والذي خلص إلى أن “المعلمين قادرون على إطلاق العنان لإبداع الطلاب من خلال تشجيعهم على استكشاف الأفكار وتوليدها والتأمل فيها”.

ولكن هل تقوم المدارس فعلا بتعليم الإبداع؟ هنا، الأدلة غير واضحة. فقد وجدت إحدى النتائج التي توصل إليها التقرير مفاجئة إذ يميل الأطفال في سن الخامسة عشرة في مختلف أنحاء العالم إلى الشعور بأنهم أقل إبداعاً وأقل وعياً بذواتهم من الأطفال في سن العاشرة. كما وجد التقرير أن الفتيات يملن إلى أن يكن أكثر إبداعاً من الأولاد، وأن الطلاب من خلفيات متميزة أكثر إبداعاً من الطلاب من خلفيات محرومة.

إذاً، ما الذي يمكن للمعلمين فعله لمساعدة الطلاب على إطلاق العنان لإمكاناتهم الإبداعية؟ لقد قدم التقرير والمشاركون في المؤتمر عدة أفكار:

مشاركة الطلاب

تؤكد أبحاث كارل ويمان على أهمية منح الطلاب القدرة على التصرف – الفرصة لاتخاذ القرارات والتعلم من القرارات السيئة وتحسين الأداء. ويشير البحث إلى أن هذا هو التغيير الأكثر جوهرية الذي يمكن للمعلمين إجراؤه لتعزيز التفكير النقدي. على سبيل المثال، يمكن أن يشجع تقديم مشاكل للطلاب دون إجابات واضحة على الإبداع. ووجدت الأبحاث التي أجرتها ميشلين “ميكي” تشي، الحائزة على جائزة ييدان لعام 2023 وأستاذة العلوم المعرفية، أن أساليب التعلم التفاعلية، حيث يحل الطلاب المهام من خلال تبادل المبررات والتفسيرات مع أقرانهم هي أكثر فعالية من أساليب التعلم القائم غلى البناء أو التعلم النشط أو التعلم السلبي.

الإيمان بالقدرة الإبداعية

يحتاج الطلاب إلى الاعتقاد بأنهم قادرون على تطوير قدراتهم الإبداعية. وهذا يتماشى مع عمل الحائزة على جائزة Yidan لعام 2017 وعالمة النفس كارول دويك حول عقلية النمو : من خلال الاعتقاد بأن الإبداع يمكن تطويره، فإنك تبني الثقة بالنفس وتلهم الفضول. ومع ذلك، يشير تقرير PISA إلى أن حوالي نصف الطلاب فقط يعتقدون أن إبداعهم يمكن تغييره. يلاحظ أندرياس شلايشر، مدير التعليم والمهارات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: “من خلال تزويد الطلاب بالفرص والدعم لاستكشاف قدراتهم الإبداعية، يمكن للمعلمين مساعدتهم على إدراك أن الإبداع ليس سمة فطرية ولكنه مهارة يمكن صقلها وتحسينها”.

تدريب المعلمين

إن تدريب المعلمين يحتاج إلى مواكبة علم التعلم، والذي يوضح:

أن الذكاءات والقدرات قابلة للتغيير
أن تنمو القدرات البشرية بطرق تفاعلية
إن العواطف لها عواقب جسدية يمكن أن تؤدي إلى تحفيز التعلم أو منعه
إن أنواع التجارب التي نمر بها لها أهمية كبيرة في إنشاء مسارات عصبية تسمح بأنواع جديدة من التفكير
أن يعتمد التعلم على الأمان العاطفي والاتصالات
أن التباين هو القاعدة وليس الاستثناء
تقترح ماريا هايلر، مديرة معهد سياسة التعلم، أنه “إذا كان الإبداع والتفكير الإبداعي هو ما نريده لطلابنا، فنحن بحاجة إلى تصميم تجارب تعليمية للمعلمين تلهمهم وتثيرهم لهذا العمل”.

ربط الأدلة بالممارسة

إننا في احتياج إلى سد الفجوة بين الأدلة والممارسات العملية. ولابد من تعزيز الحوافز لترجمة البحوث وإيصالها إلى صناع السياسات والمعلمين على نحو فعال. وتتفق تريسي بيرنز من المركز الوطني للتقييم التربوي وماكي رايموند من مؤسسة كريدو على أننا في احتياج إلى الانتقال من “دفع” الأدلة إلى “جذب” الناس إليها ــ لتقديم أفضل البحوث التعليمية بطريقة تجيب على الأسئلة ذات الصلة وتكون مفهومة وجديرة بالثقة.

التغيير داخل الأنظمة

كما يجب أن ينطلق التغيير من داخل أنظمة التعليم القائمة. يقول الخبير الاقتصادي والحائز على جائزة ييدان لعام 2021 إريك هانوشيك: “لا يستطيع أحد من الخارج أن يخبر أي دولة أو نظام مدرسي بكيفية إدارة مدارسها”. تحتاج كل دولة إلى تطوير خبرتها الخاصة في التقييم داخل النظام لتصفية وتطبيق الأدلة البحثية. هذا التحدي ملح بشكل خاص في أفريقيا وجنوب آسيا. يقدر هانوشيك أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سينمو بمقدار خمسة أضعاف إذا استوفت أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم الحد الأدنى من معايير برنامج التقييم الدولي للطلاب.

بفضل التعليم القوي، من يدري ما هي المشاكل المستعصية التي قد يتمكن الشباب من حلها ــ وما هي الفرص الجديدة التي قد يخلقونها؟ ومن خلال تعزيز الإبداع والابتكار لدى الطلاب، نمنح العالم فرصة أفضل لمستقبل أكثر إشراقا.

Image