الرؤية: أكد عدد من التربويين والمختصين أنّ تحفيز الطلاب وتشجيعهم على تغيير سلوكهم أجدى من إنزال العقاب البدني بهم؛ وإن أشاروا في الوقت نفسه إلى أنّ العقاب أحيانًا يفيد في ضبط سلوكيات الطلاب المخالفين بشرط الالتزام باللوائح التى تحدد سقف العقاب حفاظًا على سلامة الطلاب وتجنبًا للممارسات العنيفة في البيئة المدرسية.
وقالت شيخة الجفيلي مديرة حيل العوامر للتعليم ما بعد الأساسي إنّ العقاب المدرسي له سقف محدد لا يتجاوزه العلم حتى لا يتورّط في مشكلة مع الطالب وولي الأمر حيث توجد لائحة لشؤون الطلاب يجب أن يلتزم بها الطالب والمعلم والإدارة وتوضح السلوك الصادر من الطلاب والعقوبة التي تناسب ذلك السلوك، ويلجأ المعلم للعقاب عندما يصدر سلوك من الطالب مخالف للائحة شؤون الطلاب لكن العقاب يتخذ أساليب متعددة تختلف باختلاف نوع السلوك ولو قام المعلم بالجلد أو الضرب المبرح يعرض نفسه لمساءلة قانونية، لأنّه تجاوز بذلك حدود العقاب المسوح به ولا أتوقع أن هناك قانونا تربويا يسمح بالجلد، وأنا لا أحبذ أسلوب الجلد والضرب المبرح فالهدف من العقاب هو تعديل السلوك وليس الانتقام أو إلحاق الضرر بالطالب.
ضرر أكثر من النفع
وقال هاشم بن سعيد بن مرهون العميري مساعد مدير مدرسة الأمل للصم: يخطئ من يظن أنّ العقاب يفيد دائمًا في مواجهة سلوكيّات بعض الطلاب، حيث إنّ العقاب في كثير من الأحيان ضرره أكثر من نفعه، وهو مفهوم واسع يشمل درجات متعددة، من بينها العقاب النفسي كاللوم والعتاب أو الانتقاد أو التوبيخ أو الحرمان من بعض اﻷشياء. وهناك العقاب البدني المصحوب بالقسوة والضرب على مناطق مختلفة من جسم التلميذ وهو بكل تأكيد عنف لا أتوقع له مبرراته، وأيا كان العقاب فإن المراد منه دائمًا تعديل السلوك بنية التهذيب والإصلاح، فعقاب التلاميذ في المدارس له سقف معين واعتبارات تربوية منظمة ومحددات نصت عليها لائحة شؤون الطلبة الصادرة بالقرار الوزاري رقم ( 105/ 2012 ) بتاريخ 25 مارس 2002 وهي بمثابة المرجع اﻷساسي للتربويين بالمدارس .
وأضاف العميري: يجب ألا يلجأ المعلم إلى العقاب إلا في النهاية، وأن يحرص على أن يكون العقاب بعيدًا عن العلاقة بين الطالب والمعلم قدر الإمكان؛ لأنّ النتائج المترتبة على الثواب أكثر فائدة ونفعًا للطالب، ومن هنا نؤكد على ضرورة اتباع سياسة النصح وإرشاد والتحفيز والتشجيع والمكأفاة؛ ﻷنّ معظم المخالفات التي قد يرتكبها التلاميذ عادة لا تشكل خطرًا جسيمًا، وتنحصر في نطاق ضيّق ﻷنّها لا تتعدى أن تكون ممارسات فردية يقدم عليها التلميذ بدوافع مختلفة، ويمكننا معالجة هذه الظواهر السلبية بدراسة دوافع الطلاب، ومحاولة التعرّف على البيئة التي يعيش فيها التلميذ مرتكب تلك الممارسات، ومتى ما اتبع التربوي اﻷساليب الحديثة في التحفيز والطرق المبتكرة لتعديل سلوك التلميذ فإنّ النتائج ستكون مشجعة، وسيندر لجوءه إلى العقاب الذي يجب أن يكون آخر طرق المعالجة، ومتى ما استخدمه عليه أن يلتزم بسياسة المدرسة السلوكيّة وأن يتقن كيفية تنفيذه بما لا يشكل عبئًا مستقبليًا على نفسيّة التلميذ وعامل سلبي في طرق المعالجة.
التزام دائم باللوائح
وتابع العميري: ننصح المعلم دائمًا باﻻبتعاد عن كل ما يؤدي إلى نتائج مكلفة، ونشجعه باستمرار على اتباع الأساليب التربوية الهادفة التي تحقق النتائج المرجوة بأقصر الطرق وأسهلها، ولا شك أنّ القوانين واﻷنظمة حفظت حق المعلم والطالب وأي مخالفة تصدر من المعلم أو الطالب فإنّها عرضة لتبعات ومساءلات، لكننا دائمًا ما نشدد على أنّ التزامنا باللوائح واﻷنظمة التربوية التي تحدد ما لنا وما علينا.
وأضاف: العلاقة الحسنة بين المعلم وتلاميذه لها أكبر اﻷثر في الانضباط والتفاعل والاحترام، فعلى المعلم أن يحرص على غرس الحب في نفوس التلاميذ فكسب المعلم حب تلاميذه من أنجح الوسائل في استمرار العلاقة الجيدة بينهم، ولا أويد العقاب البدني وأرى أنّه توجد هوة واسعة بين المعلم والتلميذ ويسبب توترًا في علاقتهم ويمثل خطرًا على شخصية التلميذ وقد يتسبب في كراهيّة المدرسة والعملية التعليمية، ومن هنا أرى أنّ المؤسسة التربوية يجب عليها أن تعتمد على أساليب حديثة ومبتكرة في معالجة السلوكيات غير المرغوب بها وتلتزم بالقواعد التربوية الخلاقة.
وقال سامي حسن سالمين الزعابي بمدرسة الإبداع للتعليم الأساسي صحم إنّ العقاب البدني آلية إسلامية للتعليم، حيث إنّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال أضربوهم لسبع في موضوع الصلاة، إلا أنّ العقاب يجب أن يكون له سقف معين؛ كما أنّ العقاب البدني لا ينجح دائمًا فمع البعض يكون الحرمان من شيء محبب أفضل من العقاب البدني، أمّا موضوع وقوف المعلم في المحاكم بسبب عقاب طالب فيجب تلافيه قبل حدوثه من خلال تثقيف المعلم بأسلوب العقاب البدني المناسب.
أولوية التوجيه والإرشاد
وقال محمد بن علي الرواحي معلم لغة عربية بمدرسة عبدالله بن رواحة بسمائل: يجب أن نغير لفظة العقاب من وجهة نظري ونستبدله بلفظة التوجيه والإرشاد مشيرًا إلى أنّ لكل شيء في الحياة سقفًا محددًا ومسألة التوجيه والإرشاد لابد أن يستخدم فيها المعلم الأساليب والطرق التي يستطيع من خلالها الطالب تقبل تعامله بكل أريحية، ولابد للمعلم أن يستخدم التوجيه والإرشاد أثناء حصته ومن خلال مواقف قد تحصل في اليوم المدرسي ومن الضروري ربط التوجيه بالواقع المعاش مما يساعد المعلم في أداء واجبه. وأضاف: لا جدوى تربوية من الجلد فهو أمر غير تربوي ومن واجبات المعلم أن يحبب نفسه للطلاب ويكون قريبًا منهم ويدخل في نفوسهم الطمأنينة حتى يزرع حب المادة في ذواتهم فحب المعلم يؤدي إلى حب المادة الدراسية والعكس صحيح. وقالت أمينة العريمية أخصائية اجتماعية بمدرسة حيل العوامر: قد يكون للعقاب البدنى جدوي تربوية بسيطة لكنّه قد يتسبب في آثار وأضرار نفسيّة للطالب وكباحثة اجتماعية لا أشجع مثل هذه العقوبات على الطلاب في المدارس باعتبار أنّ هناك بدائل للعقاب لا تترك أثراً على نفسيّة الطلاب، ولا توجد لوائح تربوية تسمح بجلد الطلاب والمعلم يعرض نفسه للمساءلة القانونية حال قيامه بضرب الطالب ضربًا مبرحًا أو كان العقاب قاسيًا، وهناك فئة كبيرة من المعلمين يقعون في هذه الإشكالية لأنّ ليس جميع المعلمين لديهم القدرة على ضبط النفس وتقييم الموقف تقييماً صحيحاً.
العقاب على قدر الخطأ
وقال الأستاذ عبدالسلام المالكي إنّ العقاب له سقف محدد ولا يجب عقاب الطالب على أمور بسيطة بل يجب أن يكون العقاب على أمور تستحق عقاب الطالب عليها مثل الإهمال المتكرر والسلوك غير القويم وتعدي الطالب على قوانين المدرسة بشكل متعمد، ويلجأ المعلم للعقاب إذا لم يفلح أسلوب الإرشاد والنصيحة وعندما يرى أنّ الطالب يتمادى في الإهمال والكسل وعدم الانضباط، وأرى أنّ العقاب يفيد في تخويف الطالب من عواقب الإهمال وإجباره على الالتزام بما هو واجب عليه في المدرسة أو خارجها. مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ العقاب قد يطول المعلم نفسه إذا استخدم العقاب المفرط والضرب المبرح أسلوبًا في التعامل لأنّ ذلك ليس عقابًا وإنما قسوة وغياب ضمير، ولهذا لجأت وزارة التربية والتعليم إلى معاقبة أي معلم ومحاسبة أي معلم يستخدم العقاب المبرح .
وأضاف المالكي أنّ الجلد المبرح ليس مسموحًا به والغرض من العقاب أن يجعل الطالب يراجع نفسه ويغيّر من شخصيته ويطوّر من مستواه العلمي ويتقدم في المستوى الأخلاقي وبذلك يكون العقاب إيجابيًا لتغيير المسار إلى الأفضل دون أن يؤثر عليه من الناحية النفسيّة، وإذا عرفنا عيوب العقاب وتجاوزناها، وعرفنا الأسس اللازمة لجعل العقاب فعّالاً وإنسانياً نستطيع استخدام العقاب المناسب والحصول على النتائج المرجوة، لذلك على كل معلم ومربٍ وولي أمر أخذ تلك الأمور بعين الاعتبار عند معاقبة التلميذ، كما يجب التنويه بأنّ تلميذ الصف الأول أساسي عندما يأتي إلى المدرسة لا يجوز معاقبته في هذا السن ويجب إعطاؤه الفرصة الكافية والوقت اللازم للتكيف مع اللوائح والأنظمة المدرسية لأنّ جو المدرسة جديد عليه، ويحتاج لوقت لكي يتعرّف على الممنوع والمسموح به في حرم المدرسة.
المساءلة القانونية للمعلم
وأكّدت بدريّة العريمية معلمة تقنية المعلومات بمدرسة الازدهار للتعليم الأساسي أنّ للعقاب المدرسي حدودا ولا يجب على المعلمين تجاوزها، كما يجب أن يستخدم العقاب بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى، وألا يلجأ إليه المعلم كأول محاولة للتخلص من السلوك غير المرغوب فيه، باعتباره أسهل الطرق، كما يجب الحذر من ممارسة العقاب بقسوة؛ لأنّ العقاب الشديد سيؤثر على نفسية التلميذ وشخصيته. ويجب أن يوقع العقاب بعد السلوك غير المرغوب فيه مباشرة؛ حتى يتم الربط بين الفعل غير المرغوب فيه والعقاب لكي يكون رادعًا للتميذ إذا فكر بالقيام بنفس الفعل مرة أخرى.
وتابعت: قد يلجأ المعلم للعقاب إذا أصر الطالب على ارتكاب الأخطاء التي من الممكن تجنبها، وينتج العقاب كردة فعل للشحنة الانفعالية التي تحصل بين الطرفين، وحينها يلجأ المعلم إلى العقاب لترويض الطالب وضبطه، وفي مرات كثيرة يعتبر العقاب وسيلة ناجحة للتعامل مع العديد من الحالات، لكن إذا كان العقاب مبرحًا يعرض المعلم نفسه للمساءلة القانونية في حال استخدام العنف الزائد ضد الطلاب، لأنّ العقاب البدني بإمكانه أن يؤذي الطالب بدنياً، وغالباً ما يكون الطلاب المعنّفون أكثر عدوانية، ومن ناحية تربوية فإنّ العقاب البدني الموجه للطالب يعلمه أنّ ضرب الآخرين أمر مقبول وحق مشروع وضروري لتحقيق الغايات، ويؤثر الضرب على نفسيات الطالب لأنّه يؤدي إلى ضعف ثقته بنفسه والاكتئاب فى بعض الأحيان، وهناك العديد من وجهات النظر حول موضوع العقاب البدني حيث يرى المؤيدون أنّ الضرب من وسائل التوجيه نحو الاستقامة، وأنّ الضرب من شأنه أن يضبط سلوك التلاميذ مما يكفل للمعلم تحقيق النظام بيسر.
وأوضحت العريمية أنّ المعارضين يرون أنّ العقاب البدني خطير جدًا على التلاميذ من الناحيّة النفسية لأنّه يؤثر على شخصيتهم، مما يؤدي إلى كراهيتهم للمدرسة وربما التسرّب والجنوح، والضرب يفقد أثره حين يُعتاد عليه؛ لذلك أعارض بشدة استخدام العقاب البدني بشتى أنواعه كوسيلة لعلاج مشكلة ما لدى التلاميذ لأنّ ضرره أكثر من نفعه.