جسور: على الرغم مما تشهده ايرلندا من صعوبات اقتصادية، إلا أنها لم تتوانَ في التركيز على أهمية جودة التعليم العالي. وهناك ثمانية مؤسسات تعليم عالٍ من بين أفضل الجامعات في العالم. وتقوم مؤسسات التعليم العالي في ايرلندا بتنفيذ جدول الأبحاث في ايرلندا. وقد حصلت ايرلندا على المرتبة الثامنة عشر في التصنيف الأخير لأكثر مدينة جذابة في العالم للطلاب الدوليين. وفي الأسابيع القليلة الماضية حصلت مدينة دبلن على المرتبة الأولى في العالم فيما يتعلق بتوافر رأس المال من هيئة مراجعة المعلومات التجارية والاقتصادية التي تقيم أكثر من 200 مدينة في العالم.
وقد تأسست جامعة دبلن منذ 32 عاما فقط وهي بذلك أحدث جامعة في ايرلندا. ثمَّ تطورت بشكل كبير على مدار السنوات الماضية. ولكن كيف تصف جامعة دبلن نفسها؟ جامعة دبلن هي مخيم دولي متعدد الأعراق يضم طلاب من كافة أنحاء العالم. وهي تولي اهتمام مكثف للأبحاث. وتركز بشكل أساس على الصناعة الأكاديمية بين الأديان. وهي متصلة بشبكة عالمية على نحو ما ينبغي أن تكون عليه الجامعات الديناميكية الحديثة. وتلقب نفسها بجامعة المشاريع، وهو لقب يحوي معنيين، هما: التركيز على إيجاد طلاب يتمتعون بروح المغامرة، والعمل عن قرب مع قطاع المشاريع في وضع أجندة الأبحاث.
وبالنظر إلى مجال التعليم والتعلم نجد بأنه مزيج من الامتياز والمسؤولية في مجال إيجاد المعرفة وتغيير الحياة. إذ يبدل من حياة الطلاب ويجعلهم ناجحين ليس فقط في مكان العمل ولكن في المجتمع بشكل عام وفي الحياة الشخصية بصفة خاصة. وهذا يتأثر بالتغيرات السريعة للقرن الواحد والعشرين نفسه. ومن ثم فإن السياق الذي يحقق فيه الطلاب النجاح هو السياق الذي يتعرضون من خلاله للبيئة الخارجية ذات التغيير السريع في المجتمع العالمي. ولعلنا سمعنا عن المجتمع القائم على المعرفة. وهو مجتمع يعتمد فيه النجاح على القدرة على الوصول إلى المعرفة والتطبيق الفاعل لهذه المعرفة وهو عالم تزداد فيه الرقمية. ويتعامل الطلاب مع ما نسميه بالجيل الرقمي.
وفي هذا السياق فقد ذكر ريتشارد فلوريدا بأن الجامعات تمثل أهمية بالغة لكونها مصدر الأمة الرئيس في إيجاد المعرفة والإبداع ورعاية الأذكياء وهي المصدر الأهم لأي اقتصاد لاسيما في ظل النمو السريع للاقتصاد القائم على المعرفة.
وعند النظر إلى البيئة الديناميكية يتبادر إلى الذهن ما ذكره تقرير اللجنة الأوروبية فيما يتعلق بالمهارات اللازمة للعمل في المستقبل، إذ ذكر التقرير أن “الثوابت القديمة ذهبت أدراج الرياح، وهناك الكثير من وظائف 2015م وغالبية وظائف 2030م غير موجودة في عالمنا اليوم ولا يمكن توقعها”.
ومن أمثلة ذلك، لو نظرنا إلى الوراء منذ قرابة عشر سنوات فإنه لم يكن باستطاعتنا أن نتوقع تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية أو التسويق الرقمي. وهذا يعني أن مفهوم التوظيف مدى الحياة لم يكن موجوداً آنذاك. وهذه نقلة نوعية كبيرة. ويتمثل الدور الحالي في القدرة على العمل مدى الحياة، وقد تغير دور المعلمين وصار عليهم أن يغرسوا فينفوس الطلاب المهارات التي تمكنهم من العمل مدى الحياة وليس وظيفة واحدة طوال العمر.
وعن الطلاب المكتملين، فهم الذين يتمتعون بمهارات عامة قابلة للتكيف ولا يسعون للحصول على العمل وإنما هم ممن يقدمون وظائف وفي أغلب الأحوال فإنهم يوجدون مستقبلهم بأنفسهم. ولذا فإن علينا الاستجابة للبيئة الديناميكية ووضع أنموذج جديد.
وفي لقاء مع رؤساء الشركات العالمية تم الحصول على رسالة مفادها أن جودة البرامج جيدة ولكن لا تزال هناك حاجة لطلاب ذوي مهارات إضافية. فالطلاب بحاجة إلى أن يكونوا متواصلين بشكل فاعل وأن يكونوا قادرين على حل المشاكلات إلى جانب المشاركة العالمية وأن يكونوا قادة فاعلين وملتزمين بالتعليم المتواصل.
ومن السمات المهمة جداً ما نسميه بالذكاء الرقمي. وذلك لأن بوسع طلابنا الآن الوصول إلى الكثير من المعلومات، ولكن السهولة ليست في الوصول إلى هذه المعلومات وإنما في تقييم مدى جودتها ومصداقيتها.
ومن السمات المهمة الأخرى تحفيز وجود عقلية جريئة ومبتكرة لدى الطلاب وتشجيع الإبداع وروح المغامرة في جميع مراحل التعليم في البرامج كافة.
ويتمثل التحدي الموجود حالياً في أن طبيعة التعليم الموجود في المدارس الثانوية يشجع على الاستقبال السلبي للمعلومات والمعرفة. وبالتالي فإن التحدي الذي نواجهه عند مجيء الطلاب إلينا هو إعادة برمجة عقولهم ومحاولة غرس روح الإبداع وتشجيعهم على أن يكونوا مفكرين ومبتكرين مستقلين. وحالياً يتم تقديم عدد من وحدات ومبادرات الريادة الجامعية. كما يتم العمل على تبني أفضل الممارسات في تعليم الريادة.
والنقطة المهمة الأخرى التي لابد من التطرق إليها هي العالم الرقمي وتداعياته على التعليم العالي. وتتمثل الرسالة الأساسية في أن التغيير الجذري في التعليم العالي قادم لا محالة. وقد تسببت زيادة التكلفة غير المحتملة في الأنموذج التقليدي والتقنية الفوضوية والتعليم عبر الإنترنت في إمكانية خدمة كثير من الطلاب بجودة عالية وتكلفة معقولة. وسيتمخض ذلك عن ابتكار أكثر مما حدث في التعليم العالي في أكثر من قرن من الزمان.
ولعل التداعيات الخاصة بالعالم الرقمي في التعليم العالي تكون أكثر أهمية من ذلك. ونظراً لأن هناك حالياً أكثر من ملياري شخص يتواجدون على شبكة الإنترنت، فإنه بحلول 2020 م سيكون هناك أكثر من أربعة مليار شخص على شبكة الإنترنت. فطلابنا هم “الجيل الرقمي” وينمون في عالم الحاسوب. وهم ينجذبون إلى المعلومات بطريقة مختلفة كلية وعلينا الاستجابة لذلك بطريقة نستطيع من خلالها اجتذابهم. ويتعلم الجيل الرقمي بهذه الطريقة أكثر من الطريقة التقليدية نفسها. إذ تغير أنموذج التعليم والتعلم بصورة كبيرة. كما تغير دور المعلمين في هذه البيئة. فهم الآن معلمين شخصيين أكثر من كونهم محاضرين انتقاليين. والأمر لا يتعلق بالتقنية لأجل المشاركة وإنما تقنية تعزز من جودة التعليم والتعلم من خلال التقنية.
وهناك اعتقاد بأن المستقبل سيكون متمازجاً. والمقصود بعبارة متمازج أي طريقة أو مزيج من التعليم عبر الإنترنت والتعليم التقليدي الذي يكون وجها لوجه. وقد تم الإعلان في سبتمبر الماضي عن خارطة طريق لمستقبل التعليم المتمازج لجميع الطلاب لتعزيز تجربة جودة التعليم للطلاب المتواجدين داخل وخارج الحرم الجامعي
أما المثال الأخير الخاص بتعزيز تجربة التعليم والتعلم فهو عن طريقة تعليم العلوم القائم على الاستعلام في المستوى الثاني في كافة أنحاء أوروبا.
والهدف من الطريقة الاستعلامية ليس فقط نقل المعرفة والحقائق والمفاهيم العلمية، وإنما لتعزيز قدرة الطلاب على تشغيل العقل وأن يكونوا معلمين مستقلين وقادرين على تحديد المسائل الرئيسة والبحث عن إجاباتها من خلال التوسع التدريجي للمعرفة والقدرات العلمية. وفي الفصول الدراسية الخاصة بالاستعلام، يشارك المعلمون في عملية متعمدة من عمليات تشخيص المشاكل وانتقاد التجارب وتمييز البدائل وتخطيط عمليات البحث، والبحث في التخمينات والبحث عن المعلومات وبناء النماذج ومناقشة الزملاء ووضع حجج قوية.
وختاماً، فإن التعليم قد تغير تغييراً جذرياً وصار معني بإعداد طلاب القرن الواحد والعشرين وغرس المهارات العامة وتمكين الطلاب من الازدهار في هذه البيئة الرقمية وتحفيز عقولهم على الابتكار. ومن ثم فسيكون بوسع الخريجين حل المشكلات وتحويل المجتمع من حولنا.
دراسة حالة: جامعة مدينة دبلن – براين ماكريث – مدير جامعة دبلن، أيرلند