انفض عن كتفيك غبار الماضي

سيف بن سالم الزعابي*

مرحبا بك أيها القارئ الرائع في رحلة جديدة أصحبك فيها معي لنغوص معا في أعماق الماضي، أشكر لك اهتمامك ومتابعتك للمقال، أتركك الآن مع القصة لأراك بعدها ..

يحكى في زمن ماض من الأزمان القديمة أنه كان هناك باحث جيولوجي، قرر ذات يوم أن يسافر إلى بلدة بعيدة بعدما علم أن بها يكثر نوع من الحجارة الباهضة الثمن؛ لعله يجد بعضها فيغير مجرى حياته ليصبح بعد ذالك أحد أغنى أثرياء بلده.

وصل الباحث إلى تلك البلدة وواصل معها رحلة البحث و التنقيب ، حتى أنه ومنذ وصوله إلى الفندق قرر أن ينطلق مباشرة إلى المنجم القريب منه، فمنذ الصباح وحتى غروب الشمس قضى الباحث ساعات يومه في البحث، ولكنه لم يوفق في العثور عليه في يومه الأول، فقرر أن يذهب إلى الفندق ليعود في اليوم التالي باكرا ليواصل البحث، وكما خطط لذالك انطلق الباحث في اليوم الثاني مبكرا إلى المنجم؛ ليواصل قصة البحث والتنقيب عن الحجر المنشود، وأسترسل في العمل حتى مغيب الشمس دون كلل أو ملل ، ولكنه أيضا لم يحظى بالعثور عليه فانصرف إلى الفندق لينام، وكما اعتاد على الخروج باكرا والعودة عند الغروب أمضى يومه الثالث والرابع والخامس والسادس كذالك، ولكنه في أيامه الأخيرة بدء يشعر بالإحباط وهو يتسلل إلى قلبه؛ ليأكل الأمل الموجود بداخله، وجاء اليوم السابع وعلى غير عادته خرج كسولا متأخرا عن موعد خروجه السابق ، وقرر أن يكون هذا يومه الأخير للبحث، وأيضا يومه الأخير في هذه البلدة.

وقد أنهى البحث والتنقيب باكرا ؛ ليعود من أجل الاستعداد للسفر عائدا بخفي حنين، ولكن وفي طريقه من المنجم إلى الفندق لمح من بعيد شيئا غريبا، فتوجه إليه مسرعا؛ فإذا به طفل صغير يحمل في يده حجرا غريبا،

طلب من الطفل أن يسمح له بالنظر للحجر فأعطاه إياه ..

قلبه في يديه .. حركه .. نظر إليه طويلا .. فإذا به الحجر الذي أفنى لأجله ساعات أيامه الماضية وهو يبحث عنه

توجه للطفل وسأله: ماذا تريد مقابل أن آخذ منك هذا الحجر؟

فأجابه الطفل: لا حاجة لي به سيدي، فإذا كنت تريده فخذه بلا ثمن.

هنا مد الباحث يده للطفل بقطعة شكولاته مقابل الحجر، ففرح بها الطفل وعاد جاريا إلى بيته، وعاد الباحث إلى بلده وفي يده الحجر الذي جاء من أجله.

أهلا بك عزيزي القارئ مرة أخرى

هل راودتك مشاعر سلبية كالحزن والإحباط أو القلق أو الخوف أو غيرها من المشاعر السلبية والتي في الكثير من الأحيان لا نعرف سببها؟

وأحيانا تراودنا مشاعر فرح وسرور ونشوة لمجرد أننا رأينا صورة ما أو شممنا رائحة عطر معينة

في كلتا الحالتين المسألة واحدة ؛ ويعود السبب في ذالك لغبار الماضي المؤلم، والذي أثقل كاهلنا ولازال على أكتافنا دون أن نشعر.

عزيزي القارئ إن حقيقة ما نشعر به من مشاعر فجأة لا نعي أسبابها سواء كانت إيجابية أو سلبية ما هي إلا مشاعر راودتنا في الماضي بسبب موقف ما أو تجربة ما مررنا بها وقمنا بتخزينها في الذاكرة أثارها رابط معين كان موجودا في نفس اللحظة التي وقع فيها الحدث أو الموقف أو دعني أقول التجربة التي مررنا بها لتظهر لنا على شكل مشاعر لا نعرف سببها ، وهذا في الحقيقة ما يقع لنا جميعا ، أن كل شيء يمر بنا في حياتنا من مواقف وتجارب تخزن في الذاكرة طويلة الأمد (العقل الباطن) بعد تكرارها واستذكارها في عدد من المرات والمواقف لتصبح بذالك عالقة في أذهاننا،

وعادة ما تسبب هذه المواقف بعض الانطباعات والحواجز أمامنا ، وفي كثير من الأحيان ولدى الكثير من الناس تمثل هذه المواقف حاجزا يمنعنا من التقدم وتحقيق النجاح والانطلاق لصنع مستقبل جميل

فهذه بعدما أغلق عليها المصعد الكهربائي وعاشت حالة من الخوف والقلق والإكتآب أصبحت لا تصعد المصاعد أبدا ، وكلما حاولت ذالك عادت لتنشط مشاعر الموقف السابق بكل ما حملته من ألم لتمنعها من الصعود مرة أخرى خوف أن تتكرر نفس التجربة.

وهذا طالب وقع عليه عقاب من معلمه في أيامه الأولى من المدرسة كان له وقع شديد على نفسه ليعود للبيت معلنا لوالديه أنه لن يعود للمدرسة مرة أخرى خوف أن يتكرر نفس المشهد المؤلم.

وهذا شاب آخر منعه حادث السير من أن يقود سيارة طوال حياته وكلما حاول ذالك يعود الشعور بالقلق والإرتباك والخوف ليمنعه من الجلوس خلف مقود القيادة مرة أخرى.

وكثيرة هي المواقف والتجارب السابقة والتي لازال غبار ألمها على أكتافنا لم نزله بعد ، يمنعنا من التقدم والرقي في حياتن،

وكثيرة هي المواقف التي نتذكرها فنفرح كيوم تخرجنا من الجامعة بنفس الفرح والسرور لنخرج معها نفسا رائعا من الأعماق ونقول ليتها تعود.

عزيزي القارئ لابد لنا من أن نكون على يقين من أن كل ما يمر بحياتنا هو في محفوظ في ذاكرتنا ولابد له بأي رابط أو مثير كان أن تطفو بنا نفس المشاعر

ولكن البوم لك حل معي يخلصك من غبار الماضي المؤلم؛ لتنفضه عن كتفيك وتنطلق

عزيزي القارئ بعد كل تجربة مؤلمة تمر بها عليك أن تفعل التالي لكي لا تؤثر عليك مشاعرها السلبية في المستقبل

امسك قلما وأربع ورقات واكتب معي:

في الورقة الأولى: ماهو الشيء السيء في هذا الموقف؟

الورقة الثانية: ما هو الشيء الجيد في نفس الموقف؟

الورقة الثالثة: ماهي الأمور التي تعلمتها من هذا الموقف لتستفيد منها في المستقبل؟

الورقة الرابعة: ما هو التصرف الصحيح الذي كان يفترض أن تفعله؟

بعدما تتأكد من أنك قمت بكتابة كل الأشياء السابقة مزق الورقة الأولى وارمها واقرأ الورقة الثانية والثالثة عدة مرات وبشكل جيد.

وعند الورقة الرابعة اغمض عينيك وتخيل الموقف ولكن بالشكل الذي تحب وبالتصرف الصحيح، أعد تخيل الموقف عدة مرات.

بهذا التمرين سوف تعيد عزيزي القارئ تخزين الموقف في ذاكرتك من جديد ولكن بالسلوك الصحيح؛ لكي تعزل المشاعر السلبية عن الموقف، وتركز على الشيء الجيد وليكون التصرف الصحيح هو الذي سيحصل تلقائيا عندما يتكرر نفس الموقف في المستقبل.

بهذا صديقي القارئ نكون قد نفضنا غبار الماضي من ذاكرتنا بإعادة تخزين الموقف كتجربة نستفيد منها في المستقبل وليس كمشكلة نعاني منها وتكون سببا في تأخرنا.

عزيزي القارئ دعني أهمس لك في الختام وأعود للقصة السابقة وأقول:

إن الطفل كان يمتلك قطعة من الألماس لم يدرك قيمتها فلم يلقي لها بالا ولم يستفد منها ولم تطور له حياته ؛ لأنه كان جاهلا بها غير مدرك للثروة التي كان يمتلكها، وأصبحت في يدي من يقدرها ويعرف قيمتها ؛ ليستفيد منها ويستغلها في تطوير حياته.

كذالك نحن فقد أودع الله فينا الكثير من القدرات والمهارات وحبانا بعظيم العطايا وميزنا بالعقل، والذي بدورنا إن لم نبحث عن هذه القدرات والطاقات في منجم ذواتنا فلن نستقيد منها ولن تتغير حياتنا.

فهذه همستي لك: انفض عن كتفيك غبار الماضي وانطلق في البحث عن القدرات التي أودعها الله فيك ونمها لكي تتطور بها حياتك وتصل للنجاح والمستقبل الذي تريد.

 

* مدرب في الإدارة وتنمية الذات

Image
مقالات ذات العلاقة