تعزيز مكانة المعلم في المجتمع

د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي*

مما لا يختلف عليه أثنان من التربويين أن المعلم له دور محوري وأساسي في عملية التربية والتعليم، وأنه لحد الآن لا يوجد من ينازعه في ذلك. وبالرغم من التقدم التكنولوجي الذي يرى البعض أنه قد يعمل على أنتزاع دور المعلم أو على الأقل التقليل من دوره’ إلا أنه لحد الآن لم تستطع التكنولوجيا القيام بذلك وهي المنافس الأكبر للمعلم. كما أنه مهما بلغت المناهج المصممة الدقة والشمولية في التصميم، إلا أنها لن تستطيع أن تحقق مبتغى مخططو التربية والتعليم في تعليم الطلبة وأفراد المجتمع الأخريين، دون أن يكون هناك من يعمل على تنفيذ هذا المنهج بكل جد واجتهادن والذي نعني به المعلم.

وما دام الأمر كذلك، فإننا بحاجة إلى تعزيز دور المعلم في المجتمع ورفعة شأنه والرقي بمستواه العلمي والعملي والمعيشي. ومما يلاحظ في العشر سنوات الأخيرة تأثر مكانة المعلم في المجتمع ودور التربية والتعليم في تقدم المجتمع وتطوره وتعزيز قيم المواطنة لدى أفراده. إن ذلك مرده لعدة اسباب منها ما يرتبط بالمعلم نفسه كتدني مستواه التعليمي، وعدم إلتزام بعض المعلمين بأخلاقيات مهنة التعليم، وعدم قيام بعض المعلمين بالأدوار المناطة بالمعلم، وهي التربية أولا ثم التعليم، وأخيرا السلوكيات غير الحسنة من قبل بعض المعلمين.

أما الأسباب الأخرى فهي مرتبطة بالبيئة المحيطة بالمعلم، والتي يمكن أن تقسم إلى نوعين؛ نوع له علاقة بوزارة التربية والتعليم، والنوع الأخر مرتبط بالمجمتع المحيط بالمعلم. فلو أتينا إلى الأسباب المرتبطة بوزارة التربية والتعليم والتي أدت إلى تدني مكانة المعلم في المجتمع نجد منها: عدم إنصاف الوزارة المعلم في موضوع الرواتب والحوافز التي يتقاضها، فاللاسف نجد أن راتب المعلم بشكل عام قليل مقارنة بالمهن الأخرى في الدولة، والحوافز قليلة ولا تعطى إلا لعدد معروف ومحدد في داخل الوزارة.

والسبب الثاني مرتبط بالقوانين التي تحكم سلوك كل من المعلم والطالب، فللاسف في السنوات القليلة الماضية كانت معظم القوانين في مصلحة الطالب ولا توجد قوانين منصفة ومعززة لدور المعلم في المجتمع. ومن الأسباب المرتبطة بالوزارة أيضا المحاباة التي تتم داخل الوزارة وتفضيل أشخاص على حساب الأخرين في الترقي والتكريم، واحتلال المناصب القيادية خاصة تلك التي لها تأثير مباشر على عمل المعلم. كما أن من الأسباب في تدني مكانة المعلم في المجتمع عدم وجود مسائلة للمتسيبين من المعلمين وغيرهم، وبالتالي أنعكس هذا التسيب على نظرة أفراد المجتمع الأخرون إلى المعلم ودوره في المجتمع. وأخيرا فإن من الأسباب المرتبطة بالوزارة أيضا عدم استقرار الوزارة وكثرة المشاريع والبرامج التي تنفذ داخل المدارس التي أثرت على مستوى المعلم التدريسي وانعكاس ذلك على تحصيل الطلبة.

أما الأسباب المرتبطة بالمجتمع فهي تدخل المجتمع بطريقة مباشرة وغير مباشرة في قيام المعلم بالمهام المنوطة به على أكمل وجه، وسأضرب مثلا على ذلك، فتدخل ولي الأمر في تربية المعلم للطالب، وإصراره أحيانا على ترك الولد القيام بما يحلو له من سلوكيات غير مناسبة، الذي يدفع الولد لأن يكون أكثر قوة وإصرارا على سلوكياته، وعدم قيام المعلم بالدور المنوط به في تربية هذا الولد خوفا من قيام ولي الأمر بعمل ما كتقديم شكوى إلى المحكمة، الذي سيؤثر على المعلم وظيفيا وإجتماعيا.

إن هذه العوامل وغيرها التي ساهمت في تدني مكانة المعلم بين افراد المجتمع وبين الطلبة أنفسهم، وعدم ثقتهم بالمعلم وما يقوم به من جهد في سبيل الرقي بالوطن والمواطن لتستدعي البحث على استراتيجيات وطرق تعيد للمعلم هيبته وتعزيز مكانته في المجتمع. ومن هذه الطرق أولا وقبل كل شيء وضع قوانين خاصة بالمعلم والطالب تحدد بشكل واضح وجلي حقوق وواجبات كل طرف، والمسئوليات الملقاة على عاتق المعلم من خلال تحديد مهامه الوظيفية بدقة. بعد ذلك وبعد وضع هذه القوانين، يبدأ تعزيز المعلم ماديا من خلال رفع راتبه وتقديم الحوافز المناسبة له، ثم يعزز معنويا من خلال الحفاظ على حقوقه وتعزيز الأمن النفسي له حتى يستطيع أن يقدم مهنته بالطريقة المناسبة والصحيحة. وبجانب التعزيز المادي والمعنوي، تبدأ عملية المسأئلة والعقاب لكل من يقصر من المعلمين حتى نرتقي بعمل المعلم، وأن لا نترك التفاحة الفاسدة تفسد باقي التفاح في سلة الفواكه.

كما تأتي أهمية استقرار الوزارة من حيث المشاريع والبرامج من الأولويات التي يجب إعطائها أهمية من قبل الوزارة والمعنين بالتعليم في البلد، ذلك أن استقرار الوزارة معناه استقرار ووضوح في عمل المعلم، وعدم تشتيته بهذه البرامج والمشاريع، التي دون شك تؤثر على مستواه العلمي وأدائه التدريسي.

كما على الوزارة أن تعمل جاهدة على خلق بيئة مناسبة لعمل المعلم، وإيجاد الوسائل والطرق التي تعزز من بقاء المعلم في سلك التدريس وعدم تفكيره في الإنتقال إلى وظائف اخرى، خاصة للمعلمين القدامى المتميزين، وأصحاب التخصصات النادرة والمهمة في النظام التعليمي. كما توجد جوانب أخرى تعمل على رفع قيمة المعلم في المجتمع تتمثل في إنتقاء المعلم الأمثل والأكفاء للقيام بعملية التدريس، وإنشاء مبادرات تشجيعية للمعلم مثل أندية المعلمين والاتحادات الخاصة بالمعلمين والحصول على تخفيضات للمعلمين لدى بعض المحلات التجارية والسوبرماركيتات الكبيرة، ووكلات السيارات وشركات الهواتف والطيران وغيرها الكثير والكثير من هذه الفرص. إن هذا كله ينعكس على المعلم وأدائه التدريسي، الذي في النهاية سينعكس على تحصيل الطلبة الدراسي، الذي سيعزز من مكانة المعلم بين طلبته وأولياء أمورهم.

كما على المعلمين انفسهم مسئولية كبيرة وعظيمة في إرجاع هيبة المعلم في المجتمع من خلال التزامهم بالسلوك القويم والخلق الحميد، وحمل أمانة العلم والتربية بكل جد وإجتهاد وإقتدار، وأن يخلص المعلمون في القول والفعل لهذه المهنة التي شرفها الله تبارك وتعالى لتكون مهنة الأنبياء والرسل. كما عليهم القيام بالأدوار المنوطة بهم ليس فقط داخل المدرسة، بل أيضا عليهم أن يكونوا منارة علم وهدى داخل مجتمعاتهم وأوطانهم. إن تضافر هذه الجهود جميعها من شأنه الرقي بالمعلم وتعزيز مكانته داخل المجتمع.

*أستاذ مشارك مناهج وطرق تدريس العلوم بجامعة السلطان قابوس

خاص: مدارسنا – عُمان

Image

آخر الإضافات