د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي
يعد كل من المعلم والكتاب المدرسي عنصران مهمان في العملية التدريسية لا غنى عنهما، فوجود الكتاب المدرسي والدليل المرفق معه يعد بمثابة المرشد والموجه للمعلم في وضع خططه وتنفيذ دورسه، وتصرف الدول مبالغ طائلة من أجل تأليف كتب مدرسية على أرقى المستويات وأفضل المعايير العالمية المعترف بها في تصميم الكتب المدرسية. ومع ذلك فالكتاب المدرسي لن تعلم الطلبة وحدها، بل بحاجة إلى معلم خبير وكفؤ لكي يحقق الأهداف التي وضعت من أجلها تلك الكتب.
ولكن مما يلاحظ من واقعنا التربوي أن المعلمين يتبعون ما وضع في هذا الكتاب خطوة خطوة في تدريسهم ولا يخرجون عنه قيد أنملة. فدروس الكتاب صممت بطريقة معينة وبتسلسل معين وفق رأي المؤلفين والمصممين الذين هم بشر في النهاية، وهذا اجتهاد منهم، لكن لا يعني ذلك باي حال من الحوال أن هذا الترتيب والتنظيم هو الأفضل والمثالي، فللمعلم أيضا دور في إعادة ترتيب وتنظيم الكتاب وحتى صياغة محتوى ذلك الكتاب، لأنه هو يقوم بتنفيذ هذا الكتاب داخل الغرفة الصفية.
وعندما نتكلم عن محتوى الكتاب فاننا نقصد المادة التعليمية المتضمنة في هذا الكتاب والتي مطلوب من الطلبة تعلمها واكتسابها، كما يشمل المحتوى أيضا الخبرات التعليمية التي صممت من قبل المؤلفين لاكساب الطلبة تلك المعلومات. ومن هنا فإن كل من المادة التعليمية والخبرات لابد وان يعاد صياغتهما من قبل المعلم بما يتناسب مع مستويات الطلبة وأنواعهم كونهم ذكورا أو اناثا، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها الطلبة.
ويتم في الغالب تنظيم المحتوى العلمي في الكتب لاعتبارات نفسية، أي على أساس العمر العقلي للمتعلم، أو اعتبارات منطقية، والتي يقصد بها أن لكل مادة تعلمية لها ترتيب وتنظيم معين، ففي مادة العلوم مثلا نبدأ بالمفاهيم المحسوسة ثم المجردة، ومن المفاهيم السهلة إلى المفاهيم الأكثر صعوية وتعقيدا وهكذا. وهناك تنظيم ثالث يحاول الجمع بين التنظيمين السابقين، فهو يعتمد على التنظيم المنطقي للمادة دون الاخلال بالمستوى العمري للطلبة.
نحن نعرف جميعا أن الطلبة مختلفون في مستوياتهم التحصيلية فمنهم المجيد ومنهم المتوسط ومنهم ما دون ذلك، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان يقدم المعلم المحتوى التعليمي بنفس الأسلوب والطريقة والترتيب لكل المستويات، فالطالب المجيد يحتاج إلى أن يعطى أنشطة وافكار وحتى معلومات تتميز بالصعوبة والتحدي تناسب مع مستواه، في المقابل لا يستطيع المعلم عمل ذلك مع الطالب متدني التحصيل، فهذا الطالب يحتاج أن تبسط له المعلومة وتنظم بطريقة معينة، وأن تقدم له أنشطة تعمل على رفع تحصيله الدراسي، كما قد يحتاج توضيحات تفصيلية لبعض الجوانب المتعلقة بالمحتوى العلمي.
أما بالنسبة للتباين الموجود بين الذكور والاناث، فلابد أن يكون من ضمن الأشياء التي يجب أن تؤخذ في الحسبان من قبل المعلمين عند تقديم المحتوى العلمي، فبعض الأمور ليس من السهولة القيام بها من قبل الطالبات لكن يمكن القيام بها من قبل الذكور، كما أن المعلم الذي يدرس في صفوف مختلطة كما في بعض المناطق النائية والجبلية يجب عليه أن يكون حساسا للاختلافات بين الذكور والاناث عندما يدرس محتوى علمي خاص بالذكور أو خاص بالاناث من الناحية الفيسولوجية، وان يعيد تنظيمه وترتيبه بحيث في النهاية يتم تحقيق أهداف التعلم لكن بطرق واساليب مختلفة.
أما بالنسبة لطبيعة سكن الطالب، فيجب أن يكيف المعلم المحتوى الذي يدرسه للطلبة بما يتناسب وطبيعة البيئة التي يسكن فيها الطالب. فمثلا لو كانت البيئة رعوية فلابد أن يعمل المعلم الاستفادة منها في التدريس وتكييف الجوانب العلمية المرتبطة بها من أجل ربط الطالب ببيئته، وهكذا بالنسبة للبيئة البحرية والجبلية والبدوية.
إن المحتوى الذي يتم تقديمه للطلبة في الكتب المدرسية ليس شيئا مقدسا، بل هو من أعمال مجموعة من البشر اجتهدت لكي تخرج شيئا ما وفق ضوابط واسس معينة، لكن هذا لا يعني أن المعلم يجب أن يتبع ما وضع في هذه الكتب بكل تفاصيله ودقائقه. فالمعلم هو الشخص الأقدر على الاستفادة من هذه الكتب في توجيه تعلم طلبته، لأنه هو من يتعامل معهم يوميا واقربهم إلى قلوب الطلاب وأعرفهم بما يعجبهم وما لا يعجبهم.
إن التعامل مع المحتوى كما هو في الكتاب المدرسي له نتائج سلبية على كل من المعلم والطالب. فمن نتائجه السلبية على المعلم أنه يقوقع المعلم في المادة التعليمية التي يقدمها للطلبة، فلا يجتهد للبحث عن معلومات حديثة وجديدة، كما أنه يفقد مع الزمن مهارة الابداع والابتكار في التدريس، فتعامله مع المحتوى مثل ما هو موجود في الكتاب ينمط المعلم على نمط أو قالب واحد فقط من أساليب التعلم. أما سلبية التعامل مع المحتوى كما هو دون أعادة صياغة من قبل المعلم على الطالب فهي عديدة منها أن الطالب قد يعتقد أن حدود المادة العلمية الخاصة بالمفاهيم المطروحة في هذا الكتاب هي فقط ما موجودة في الكتاب ولا تتجاوز حدود المعلومات الأخرى. بالاضافة إلى أنها تحد من التفكير التباعدي للطالب، إذ قد يعتقد بعض الطلبة أن تسلسل المعلومات وطريقة الحصول عليها هي بنفس الطريقة المعروضة في الكتاب المدرسي، وهذا غير صحيح فطرق الحصول على المعرفة العلمية عديدة ولا تتم في الغالب بنفس الطريقة المعروضة في الكتاب، ذلك أن عرض الكتاب يتم من أجل تبسيط المعلومات للطالب وليس كما تم الحصول عليها.
إن تغيير تفكير المعلم ونظرته للكتاب المدرسي وما يحتويه من معارف تحتاج الى جهد واضح وكبير من قبل القائمين على تأهيل المعلم وتدريبه والاشراف عليه كون أن هناك بعض المعتقدات الخاطئة التي تكونت لدى هؤلاء المعلمين منذ أن كانوا صغارا كطلبة في مدارسهم وأيضا عندما كانوا يعدون من أجل أن يصبحوا معلمين في معاهد وكليات إعداد المعلمين.
خاص بموقع مدارسنا – عُمان