د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي*
إننا نعيش في عالم متغير ملئ بالتطورات والأحداث المتسارعة التي أنعكست على كل جزئية من جزئيات حياتنا. وهذه التطورات والأحداث تستلزم أن يكون الفرد منا قادر على التعامل معها بحكمة وفطنة والا سيتعرض الى الكثير من الصعوبات والفشل. ومن أجل ذلك كله كان لابد أن تعمل الدول من خلال التربية على إعداد المتعلم في كيفية مواجهة هذه التحديات من خلال تنمية التفكير وإعمال العقل، والمنطق.
إن الأهتمام بموضوع التفكير وتنميته لدى المتعلمين ليس بالجديد بالنسبة للمهتمين بالتربية والتعليم، فلو أتينا الى تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف لوجدنا الكثير من الاشارات اليه في الآيات الكريمة بأقوال مختلفة مثل “أفلا يتفكرون”، و “أفلا يعقلون”، و “إنما يتفكر أولو الألباب” وغيرها من الكلمات الربانية التي تدعو الانسان الى التفكر وإعمال العقل في كل جزئية من جزئيات حياته. أما على مستوى التربية الحديثة فهناك من نادى به من التربويين منذ بدايات القرن العشرين، لكنه لم يلق الزخم الكبير مثل ما يلقاه اليوم لسبب بسيط وهو أن العيش في عالم اليوم أعقد واصعب مقارنة بطبيعة الحياة منذ مائة سنة الماضية، الذي يتطلب العيش في هذا العصر نوعية معينة من المتعلمين قائم تعلمهم على المعرفة والتفكير والعمل بالمعرفة وليس فقط تذكر المعارف.
إن المقصود بالتفكير في أبسط صوره هو إعمال العقل واستخدامه فيما يقوم به الفرد ويتخذه من قرارات وأفعال مستفيدا مما يتوفر لديه من معرفة، وما يلاحظه من أحداث وظواهر، مما يؤدي الى فهم تلك الظواهر وإلاحاطة بأسبابها ونتائجها. وللتفكير أنواع كثيرة منها الابتكاري والناقد والاستدلالي والعلمي وغيرها من الأنواع والمسميات. وكل واحد من هذه الأنواع مطلوب في الحياة وله استخدامات في واقع حياة الفرد المعاصرة. فنحن محتاجين مثلا الى التفكير الناقد من أجل أن نقييم الأشياء والاعمال التي نقوم بها ونمارسها، كذلك محتاجين للتفكير الابتكاري من اجل إبتكار الجديد وتحسين القديم. أما التفكير العلمي فهو مهم جدا في حل المشكلات التي نواجهها في حياتنا.
إن تنمية التفكير ليست بالعملية الشاقة جدا ولا البيسطة جدا في الوقت نفسه، بل يمكن القيام بها ببعض الجهد من قبل المعلم ومرونة من المنهج. فالمعلم هو ربان السفينة التي يديرها داخل الصف، فاذا أمتلك المعلم مهارات التفكير فإنه سيستطيع أن ينقلها ويكسبها لطلبته. كما أن المنهج المدرسي بعناصره الخمسة المعروفة وهي: الأهداف، المحتوى، طرائق التدريس، معينات التدريس، والتقويم، يجب أن يساعد المعلم في تنمية تفكير طلبته.
إن التركيز على المعلم في تنمية التفكير لدى المتعلمين يجب ان يكون ذا أولوية بالنسبة للقائمين على العملية التربوية في الدول المختلفة، ذلك أنه من يترجم أهداف المنهج الى أرض الواقع. ولقد ظهرت العديد من المحاولات من أجل إكساب المتعلمين مهارات التفكير عن طريق المعلم من خلال البرامج الخاصة بالتفكير، مثل برنامج دي بونو في تنمية التفكير، فهذا البرنامج يقترح مجموعة من الأنشطة التي تعين المعلم في تطبيقها على إكساب الطلبة لمهارات التفكير وتنميتها لهم. كما ان برنامج مهارات التفكير العليا (High Order Thinking Skills HOTS) مثالا أخر على ذلك، فهذا البرنامج معد خصيصا لتنمية مهارات التفكير العامة لدى الطلبة منخفضي التحصيل الدراسي، الذي إذا ما استخدم مع هذه النوعية من الطلبة من توظيف مهارات التفكير العامة وهي التفكير الفوق معرفية، والتعميم، وتركيب المعرفة والاستدلال من خلال السياق، فإنه سيساعدهم على تحصيل افضل في المواد الدراسية المختلفة.
من المؤسف القول أن مهارات التفكير لدى طلبتنا في المنطقة العربية ليست بالمستوى المطلوب، وهناك العديد من المؤشرات على ذلك لعل من اهمها نتائجنا في الدراسات الدولية مثل دراسة TIMSS ، كما يلاحظ ذلك أيضا من خلال الحديث مع الطلبة والتناقش معهم فيما تعلموه في المدرسة، أو حتى ما يعرفونه من الأحداث المعاصرة وكيفية التعامل معها، وطبعا هذا أحد نتاج عدم ممارسة المعلمين عمليتي التدريس والتقييم من اجل التفكير، بل نمارس التدريس من أجل الاختبار الذي هو في النهاية قائم على المعرفة وتذكر المعلومات.
إننا بحاجة الى ثورة في مجال التعليم تتعدى الشكليات لنركز على المضمون، إننا بحاجة لنخرج متعلمين يستطيعون مواجهة تحديات الحياة المختلفة، وقادرين على الابداع والابتكار لنرى في نهاية المطاف علماء عرب مبتكرين ومبدعين، وشباب يتحلون بالحكمة والفطنة في التعامل مع معطيات الحياة المختلفة، ومقدرين ما تحقق في وطنهم من منجزات وتطورات. وهذا لن يتأتى إلا اذا أعددنا معلما خبيرا بذلك ممتلكا لمهارات التفكير، وأساليب تحقيقها وتقييمها.
إن الاهتمام بالتفكير ليس ترفا أو زائد عن الحاجة، إنما هو ضرورة لابد من العمل على تنفيذها على أرض الواقع، إذ ليس هناك مكان للفرد الكسول ولا الدول الكسولة بين الأمم، فالفرد الذي يمتلك مهارات التفكير هو القادر على مواجهة التحديات المختلفة والتغلب عليها وتحقيق معدلات النجاح في التعليم والاقتصاد وفي كل مجالات الحياة المختلفة. كذلك ينطبق الأمر على مستوى الدول، فالدول التي تعمل على تكوين شعوب مفكرة، فستجد لها مكانا بين الامم المتقدمة، والدول التي تعمل عكس ذلك، فلن تجني غير التخلف والضعف الاقتصادي والاجتماعي، وفي النهاية الانهيار التام.
خاص بمدارسنا نت: الأثنين 14 / 1 / 2013م
——————————————————-
*أستاذ مشارك مناهج وطرق تدريس العلوم – كلية التربية – جامعة السلطان قابوس