د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي*
ان التطور العلمي والتقني الكبير الذي تميز به القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين له نتائج مفيدة وتطبيقات عظيمة في مجال التربية والتعليم، فقد أدت نتائجه ومكتشفاته الى معرفة المكونات التفصيلية لدماغ الأنسان، وكيف يعمل هذا الدماغ في اثناء عملية التعلم. ولقد استفاد التربويون من هذه النتائج في توجيه عملية التعليم والتعلم، وذلك باقتراح الوسائل والطرق المناسبة لكي يتعلم جميع الطلبة بالشكل أو الآلية التي تناسبهم.
لقد وجدت أبحاث الدماغ وعلم الأعصاب خمسة مبادئ في كيفية عمل الدماغ، لابد من كل تربوي معرفتها لكي يستطيع أن يدرس بالطريقة المناسبة لطلبته وهذه المبادئ هي:
المبدأ الأول: الأستكشاف: خلق الله سبحانه وتعالى دماغ الأنسان وأوجد فيه من المكونات ما يجعله قادرا على البحث والاستكشاف والتقصي من أجل فهم الأشياء من حوله. وهذا بطبيعة الحال يتطلب من المعلم أن يهيئ البيئة المناسبة لكي يتم فيها تطبيق الأستكشاف والتقصي.
المبدأ الثاني: الربط: يستطيع دماغ الأنسان أن يربط بين الأحداث والمواقف والمعلومات، وان عملية التعلم الناحجة هي تلك التي يتم فيها ربط المعرفة السابقة بالمعرفة الجديدة من خلال قيام المعلم باستحضار المعلومات السابقة التي يمتلكها الطلبة من جانب، وتوظيف الطرق والأساليب المناسبة مثل خرائط المفاهيم والمنظمات المعرفية الأخرى من جانب أخر.
المبدأ الثالث: صنع الأنماط: يعمل دماغ الأنسان على تنميط وتصنيف الأشياء من أجل جعل عملية التعلم أكثر فاعلية وذات معنى. فدماغ الأنسان مثلا يعمل على تصنيف وتنميط الأشياء حسب اللون أو الحجم أو الشكل وغيرها من التصنيفات. إن هذا يتطلب من المعلم مساعدة الطلبة على التصنيف بتهيئة مواقف صفية تنمي هذه المهارة من جانب، وقيامه هو بتصنيف الأشياء عند تدريسه من جانب أخر. فمثلا عندما يدرس درس عن التفاعلات الكيميائية في العلوم، من المفيد جدا أن يصنف التفاعلات الكيميائية ويبوبها بطريقة تساعد الطلبة على تعلمها بشكل صحيح.
المبدأ الرابع: المحاكاة: تعد المحاكاة من الطرق التي نستخدمها كثيرا في حياتنا خاصة عندما نريد أن نتعلم شيء جديد، فمثلا يقوم الطفل بمحاكاة والديه أو أخوته أو أقرنائه عندما يريد تعلم كلمات معينة أو حركة معينة. والشخص الذي يريد تعلم حرفة معينة كالنجارة والحدادة عليه أيضا محاكاة حداد أو نجار في بداية الأمر. ان ذلك مرده الى قدرة دماغ الأنسان على التقليد والمحاكاة للافعال، وما دام الأمر كذلك فعلى المعلم الذي يقوم بتعليم الأطفال أن يهتم بهذا الجانب خاصة في المراحل الدراسية المبكرة كمرحلة الروضة والحلقة الأولى من التعليم الأساسي. وكمثال على ذلك، فلو أراد المعلم في أحد أهدافه اتقان طلبته مسك شيء ما كمسك المقص أو السكين، فعليه أولا أن يمسك بنفسه المسكة الصحيحة ثم يقوم الطلبة بمحاكاته في المسك.
المبدأ الخامس: الموازنة بين الضغط والتحدي: يمر كل فرد منا بمجموعة من التحديات التي تعيق تحقيق أهدافه مما يسبب له ضغطا، لكن في المقابل ومن اجل إصراره على تحقيق تلك الأهداف يستطيع بما أودعه الله فيه من قدرات وامكانيات في دماغه، أن يوازن بين الضغط والتحدي. ومن هذا المنطلق لابد من تدريب الطلبة على ذلك داخل المدرسة عن طريق الأنشطة والمسائل التي يقدمها المعلم للطلبة يتحداهم فيها ويصقل مهارتهم في التغلب عليها.
لقد أظهرت الأبحاث المتعلقة بعلم الدماغ وعلم الأعصاب أيضا الى ان دماغ الأنسان مكون من نصفين، النصف الأيمن وهو الذي يسيطر وينظم أنشطة الأنسان التي تتم في الجانب الأيسر، وهناك النصف الأيسر من الدماغ وهو يقوم بتنظيم الأنشطة التي تتم في الجانب الأيمن. كما أظهرت النتائج أن الأفراد يختلفون في أي نصف يستخدمون بشكل أكبر في عملية التعلم، وأن هناك صفات معينة تظهر في هؤلاء الأفراد حسب نصف الدماغ الذي يستخدمونه بشكل أفضل. فمثلا الشخص الذي يستخدم النصف الأيمن من الدماغ في عملية التعلم فيتميز بعدد من الصفات منها أنه يفضل الأشياء المبعثرة، ويتعلم من الكل إلى الجزء، ويحب الصور والألوان، ويميل إلى الأصوات والألحان، ويفضل التجربة والمشاهدة، كما أنه مشاعري وعاطفي، وتخيلي، وعنده تركيز خارجي. أما الشخص الذي يستخدم نصفه الأيسر أكثر في عملية التعلم فيتميز بأنه يفضل الأشياء المرتبة، ويتعلم من الجزء إلى الكل، ويحب الكلمات، كما أنه يميل إلى لغة الأرقام، ويفضل القراءة عن موضوع ما، ويهتم بالقواعد والقوانين، كما انه ناقد ومخطط ومنطقي، وعنده تركيز داخلي.
إن على المعلم أي كان تخصصه أو المادة التي يدرسها مراعاة أنماط المتعلمين حسب نصف الدماغ الذي يستخدمه بصورة أكبر من خلال تنويع في طرائق التدريس التي يستخدمها، ومعينات التدريس التي يوظفها في الدروس، وطرائق التقويم التي يستخدمها لتقويم طلبته. إن موضوع الدماغ وكيف تحدث عملية التعلم لا يكفيه مقالة واحدة بل العديد من المقالات، وأن هذه المقالة هي واحدة من تلك، وعسى أن يكون لنا مقالات أخرى في نفس الموضوع مستقبلا.
*أستاذ مشارك مناهج وطرق تدريس العلوم – جامعة السلطان قابوس
خاص مدارسنا نت