التعليم من اجل سوق العمل أم من أجل التعليم

د. عبدالله بن خميس أمبوسعيدي

أستاذ مشارك مناهج وطرق تدريس العلوم

ان موضوع هذه المقالة ليس بالجديد، ويطرح ويناقش بين فترة وأخرى بين المعنيين والمتخصصين في مجال التعليم، ذلك ان التعليم له دور كبير في بناء المجتمعات وتطورها. وينقسم المتخصصون والمخططون في مجال التعليم وأولئك الذين يرسمون خطط التنمية البشرية والاقتصادية في الدول بين وجهتي نظر في مجال التعليم ودوره في حياة الأفراد والمجتمعات. فهناك فريق يرى ويدافع بقوة بضرورة ربط التعليم بسوق العمل وأن يكون التعليم سواء أكان التعليم العام ام العالي موجه نحو التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، وان التخصصات التي ليس لها مكانة –وان كانت مفيدة في الحياة- في سوق العمل ينبغي أن تجمد أو تلغى. وهذه نظرة تنطلق من منظور اقتصادي بحت كونها تسعى الى جعل التعليم فقط من أجل وظيفة لكسب المال، وليس من اجل اعداد مواطن صالح يؤدي العمل من أجل مصلحة أمته ومجتمعه.

 

أما النظرة الاخرى المقابلة للنظرة الأولى فترى أن التعليم يجب ان يكون من اجل التعليم واعداد الفرد للحياة، ذلك أن الفرد المتعلم قادر على أن يشق نفسه في هذه الحياة، ويوجد العمل المناسب له في احدى قطاعات العمل المختلفة أو يسعى الى استغلال المتاح له من تسهيلات في الدولة في فتح مشروع خاص به، ليس شرطا مرتبطا بنوع التعليم الذي تلقاه في التعليم العالي.

ان كلتا النظرتين لهما من المبررات ما يدعم المؤيدين لهما، لكن يجب أن لا نتشدد لنظرة معينة ونهمل الاعتبارات والمبررات التي ساقها أصحاب النظرة الثانية. ذلك أن كليهما منطلق من أهداف معينة وحاجات متباينة، فنحن مثلا مع تسليمنا بأهمية ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، الا انه لا ينبغي أن تكون على حساب كون التعليم من أجل التعليم ويجب أن يتاح لكل من يطلبه في المجتمع.

ان تجارب العديد من دول العالم تسير في اتجاه توفير التعليم لكن من ينشده ولا تربطه كثيرا بسوق العمل، بل تعمل على توفير تعليم وتدريب للمواطن بشكل جيد، ثم هو من يقوم بالبحث عن فرص العمل المتاحة سواء داخل البلد أو خارجها، ولا تلزم نفسها بتوفير فرص عمل لهم مثل ما نقوم نحن به احيانا بطريقة مباشرة وغير مباشرة. ونجد مثل هذا النموذج في دول مثل الهند والصين وغيرها التي تنتشر شعوبها في العديد من دول العالم.

ان الوضع في عمان يجب أن يوازن بين النظرتين مع ترجيحي شخصيا لوجهة النظر القائلة بأن التعليم من اجل التعليم، وانه يجب أن يتاح التعليم الجيد لكل من يطلبه. فنحن مطالبين بأن ندرس سوق العمل المحلي والأقليمي لكي نعد أجيالا تجد لها مكانة في هذه الأسواق، لكن لا ينبغي أن نحد أنفسنا بذلك لأن الخطورة تكمن أن بعض التخصصات قد تمتلي بعد فترة وبالتالي سنضطر الى اغلاقها وهكذا تباعا.

ان التعليم والتدريب والتاهيل الجيد للافراد وللقوى العاملة الوطنية هو السبيل الوحيد في تسخير التعليم من أجل سوق العمل، لأن ذلك يدفع بهذه القوى أن تنافس في سوق العمل والفرص المتاحة فيه، وبالتالي تحصل على وظيفة تناسب قدراتها ومهاراتها. ومن هنا فان الجودة في التعليم والتدريب مطلوبة اليوم أكثر من اي وقت مضى في ضوء طبيعة الأعمال المتوفرة في سوق العمل، وما تتطلبه من قدرات ومهارات خاصة لدى الأفراد.

ان تطبيق فكرة التعليم من أجل التعليم لابد وأن يصحبها توعية مجتمعية بذلك، وأن نخبر المجتمع ونكون صريحين معه بان الدولة غير قادرة على توفير فرص العمل لكل خريج، لكنها في المقابل قادرة على توفير تعليم جيد. ان مثل هذه التوعية تجعل الدولة في بر الأمان وبعيدة عن الانتقاد غير مبرر أحيانا من قبل الشعب في مجال التوظيف، بالاضافة الى أن المجتمع سيبدأ في تقبل الموضوع، وبالتالي يدفع بافراده طالبي العمل بـأن يوجدوا عمل لأنفسهم من خلال المشاريع الفردية والجماعية.

ان الخطاب الاخير لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس عام لهو دعوة مهمة وضرورية، وطالما نادى بها صاحب الجلالة في أكثر من مناسبة من أجل تطوير التعليم والرقي به حتى يخرج من هذا التعليم سواء أكان تعليم عام ام عالي اجيالا متسلحة بالعلم والمعرفة، مكتسبة للمهارات المناسبة لسوق العمل، تعمل على الرقي بمجتعها والمحافظة على مكتسباته.

ان مثل هذه الدعوة يجب أن لا تهمل أو تترك جانبا، بل يجب أن يتم تبنيها من المعنيين بالتعليم جميعهم، وأن يعملوا بشكل جماعي صادق منطلق من احساس وطني بالمسئولية، من أجل تطوير التعليم في السلطنة، والانطلاق به الى غد أرحب وابعد من أجل عمان الخير، عمان المعزة، عمان المحبة.

Image
مقالات ذات العلاقة
Image