مايكل روث
فى مارس، سعت مجموعة عمل نظمها مجلس العلاقات الخارجية، إلى تقديم مفهوم جديد لمشكلات المدارس الحكومية فى البلاد، باعتبارها خطرًا يهدد أمن الدولة. وحذرت من أن «أعداد كبيرة من السكان غير المتعلمين، تدمر قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن نفسها ماديًا، وحماية معلوماتها السرية، وإدارة الدبلوماسية، وزيادة النمو الاقتصادى» بينما أشارت ايضا إلى الطلاب باعتبارهم «رأسمالا بشريا».
بينما ركز التقرير على التعليم العام ما قبل الجامعى، ودعا إلى إعداد أفضل للطلاب، كان أسلوبه البراجماتى قريب الصلة من أسلوب النقاد الذين يعتبرون أن التعليم الجامعى عفا عليه الزمن. ويتساءل باحثون محافظون مثل تشارلز موراى، وريتشارد فيدر، وبيتر وود، عما قد يدعو من قدر لهم أن يعملوا بوظائف منخفضة الأجر إلى مواصلة تعليمهم بعد المرحلة الثانوية، لدراسة الفلسفة والأدب والتاريخ. وعرض الرأسمالى بيتر تييل أموالا على من ينوون أن يكونوا رجال أعمال؛ لترك التعليم الجامعى والتركيز بدلا من ذلك على المشروعات المبتدئة على الإنترنت. ويخبرنا أساتذة فى مدرسة الأعمال مثل كلايتون كريستنسن بأن «الابتكار المخرب» يحعل الدراسات الجامعية عاجزة عن توصيل ما يحتاج إليه «المستخدم النهائى».
●●●
وبهذا المنظور الذرائعى الضيق، يعتبر الطلاب مستهلكين، يشترون قائمة تشغيل مخصصة للمعرفة.
وربما يكون هذا النقد جديدا، ولكن الدعوة إلى تعليم مصمم على نحو ضيق أكثر خاصة بالنسبة للأمريكيين ذوى الإمكانات الاقتصادية المحدودة ليست جديدة. وقبل قرن من الزمان، كانت منظمات متنوعة من غرف تجارية، إلى اتحادات عمالية، تدعم خطط إقامة نظام مزدوج للتعليم، حيث يتم تدريب بعض الطلاب من أجل شغل وظائف بعينها، فى حين يحصل آخرون على تعليم أوسع نطاقا يتيح لهم مواصلة تعليمهم فى المرحلة الجامعية، وأدت هذه الحركة إلى إصدار قانون سميث هيوز عام 1917، الذى يمول التعليم المهنى، للعمل فى الزراعة فى البداية، ومن ثم فى مجالات أخرى.
وعارض الفيلسوف جون ديوى، أهم مفكر أمريكى فى مجال التعليم، هذه الفكرة. فعلى الرغم من تقبله دمج التعليم المهنى فى المقررات الدراسية، عارض نظام التعليم المزدوج، لأنه أدرك أنه سوف يعزز، التفاوتات فى المجتمع أثناء عصره. ألن يكون لمثل هذا النظام نفس النتيجة اليوم؟
ولا شك أن ديوى ادرك ضرورة العمل المربح. «وكتب يقول:» العالم الذى يعيش فيه معظمنا، هو عالم لدى كل واحد فيه حرفة ووظيفة؛ شىء يمارسه. البعض مديرون وآخرون مرءوسون. ولكن الأهم لدى الجميع هو أن كل منهم ينبغى أن يحصل على التعليم الذى يمكنه أن يرى ما فى عمله اليومى، من أهمية كبيرة وإنسانية.»
وقال ديوى إن التعليم ينبغى أن يهدف إلى تعزيز قدراتنا، حتى لا نتحول إلى مجرد أدوات. «نوع التعليم المهنى الذى أهتم به، ليس النوع الذى «يكيف» العاملين وفق النظام الصناعى القائم؛ فأنا لست مغرما بالنظام بقدر كاف». فهل نحن كذلك؟
فمن الذى يرغب فى الالتحاق بالمدرسة ليتعلم أن يكون «رأسمالا بشريا»؟ ومن يتطلع لأن يصبح أطفاله موارد اقتصادية أو عسكرية؟ كان لدى ديوى وجهة نظر مختلفة. ولاحظ فى 1897 ،أنه نظرا لسرعة التغيير، فمن المستحيل معرفة ماذا سيكون عليه العالم خلال عقدين، ومن ثم يجب أن تعلمنا المدرسة أولا وقبل كل شىء عادات التعلم.
ويرى ديوى أن هذه العادات تشمل إدراك الاعتماد المتبادل فيما بيننا؛ فليس هنا من هو خبير فى كل شيء. وأكد على أن «المرونة» هى المفتاح كى تتشكل بالخبرة:» افضل منتج من التعليم هو الميل للتعلم من الحياة نفسها، وجعل ظروف الحياة، تشبه كل ما سنتعلمه خلال عملية الحياة».
ويمكن من خلال المقررات التعليمية الجامعية اكتساب النزوع للتعليم من الحياة؛ وكذلك أيضا من المدارس التى تركز على مهارات العالم الحقيقى، من الهندسة إلى التمريض. والأمر الأساسى هنا، هو تطوير العادات الذهنية التى تسمح للطلاب بمواصلة التعلم، حتى أثناء اكتسابهم المهارات لإنجاز الأشياء. وسوف يفيد هذا الجمع الطلاب كأفراد، وكأعضاء فى أسرة، وكمواطنين ليس فقط كموظفين ولكن كمديرين أيضا.
●●●
ويواجه التعليم العالى تحديات صارخة: تخفيض ميزانيات الجامعات العامة على ايدى حكومات الولايات والمحليات؛ والارتفاع المستمر فى الرسوم وفى ديون الطلاب عدم كفاية تحصيل الطلاب؛ وأثر ارتفاع مستويات التفاوت، وإهمال بعض المؤسسات النخبوية أن مهمتها الأساسية هى تعليم الطلاب فى المراحل قبل الجامعية.
لكن هذه المشكلات، مهما كان إلحاحها، لا ينبغى أن تجعلنا نغفل رؤية ديوى أن التعلم فى مرحلة الحياة ،أعمق أشكال الحرية. ففى أى دولة تتطلع إلى الديمقراطية، تكون مهمة التعليم فى المقام الأول: زراعة الحرية داخل المجتمع. ولا ينبغى أن نعتبر المدارس حاميات لنا من الأعداء، ولا باعتبارها صناعات تولد رأسمال بشرى. لكن أهم غرض من التعليم العالى هو منح جميع المواطنين الفرصة للعثور على «أهمية كبيرة وإنسانية» فى حياتهم وأعمالهم.
كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفية.
الشروق المصرية: السبت 6 / 10 / 2012م