الرأي: الله اعلم..!.- أن هذه النظرية قد انطلقت في السنوات العشر الأخيرة بسرعة كبيرة في دول كبيرة ومهمة من النواحي العلمية والاكاديمية والصناعية والاقتصادية بشكل عام وهذا مؤشر قوي على أن هذا الاهتمام سوف يسهم في إثراء هذه النظرية وتمكين مفاهميها وأدواتها ومدى توظيفها، بحيث يسهم بشكل بارز في تفعيل استخدام هذه النظرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل نصل إلى مرحلة نحوسب فيها نظرية تريز؟ توضع في الحاسوب ملايين المشكلات وحلولها والاستراتيجيات المستخدمة فيها، هل يوضع في الحاسوب طرائق عامة لحل المشكلات؟ وما عليك سوى أن تكتب مشكلتك وتنتظر دقائق وربما ثوانٍ لتجد بدائل الحلول المقترحة أمامك، من يدري؟!
أمينة منصور الحطاب
هنالك افتراض مفاده أن معظم الناس قادرون على الإبداع، لكن القدرة على التفكير والإبداع تختلف بشكل واسع من فرد الى آخر،لذا ظهرت العديد من المحاولات والتجارب العالمية لتعليم التفكير والإبداع وانتشرت على نطاق واسع وأسهمت بشكل أو بآخر في تنمية التفكير والإبداع. ومن هذه النظريات «نظرية تريز -TRIZ» التي ولدت في الاتحاد السوفيتي ،على يد العالم الروسي «هنري التشلر» وعرفت باسم نظرية الحل الابتكاري للمشكلات، وهي تقنية متطورة ذات قاعدة معرفية واسعة جداً. تضمنت مجموعة كبيرة من الطرق الإبداعية التي استخدمت في حل المشكلات، وتنبع قوة هذه النظرية من انها جمعت استراتيجيات وطرائق حل ناجحة في كل مجالات النشاط الإنساني وصاغتها على شكل مجموعة من الأدوات التي يمكن توظيفها في مختلف هذه المجالات.
هناك مبادئ إبداعية عامة
بدأت نظرية تريز بفرضية مفادها أن هناك مبادئ إبداعية عامة تشكل أساس الاختراعات الإبداعية،وأن هذه المبادىء يمكن تحديدها وتمييزها ونقلها للآخرين،لجعل عملية الإبداع أكثر قابلية للتعليم والتنبؤ بحدوثها،وعموماً فإن نظرية تريز تستخدم عدة أدوات لجعل الإبداع عملية منهجية منتظمة، حيث أن وجهة النظر التي ترى أن الإبداع عملية إلهام تحدث عشوائياً لم تعد قائمة،ويرى أنصارهذه النظرية أنها تقوم على الافتراضات الرئيسية الثلاثة التالية:
1- التصميم المثالي هو النتيجة النهائية التي يتم السعي والعمل على الوصول إليها لتحقيقه، وهذا يتفق مع مبدأ المثالية الذي يشكل ركناً أساسياً في هذه النظرية. ولذلك تعتبر عملية تخيل الحل المثالي النهائي في محاولة حل المشكلة نقطة مهمة لتحديد مسار عمليات الحل لرؤية المثالية التي ينظر إلى تحقيقها من خلال سير عملية تطوير النظام أو حل مشكلاته.
2- تلعب التنافضات التقنية والمادية دوراً أساسياً في حل المشكلات بطريقة إبداعية، حيث يرى أنصار هذه النظرية أن كل مشكلة ناجمة عن تناقض أو أكثر في الموقف، ولذلك فإن عملية تحديد جوانب التناقض في المشكلة تعتبر أيضاً أساسية،باعتبار أن استراتيجيات النظرية وجدت أصلاً في محاولة للتخلص من هذه التناقضات بعد التمكن من تحديدها بنجاح،هذا الافتراض يحقق خطوة تحديد المشكلة، ولكن على شكل تناقض بين جانبين أحدهما ايجابي يترتب عليه أثر سلبي.
3- الإبداع عملية منهجية منتظمة، تسير وفق سلسلة محددة من الخطوات، ولعل هذا الافتراض جوهري في نظرية تريز، حيث ان غيرها من النظريات ترفض التعاطي مع عملية الإبداع باعتبارها تشكل سلسلة منتظمة من الخطوات التي يمكن السير وفقاً لها في توليد الحلول الإبداعية لإحدى المشكلات، ولكن هذه النظرية أثبتت صحة هذا الافتراض.
الاستراتيجيات
المستخدمة في برنامج تريز التدريبي
هنالك أربعون استراتيجية حتى الآن تشكل العمود الفقري لهذه النظرية، والتي مثلت أكثر الطرق التي استخدمها الإنسان فاعلية في حل المشكلات نذكر منها:
1- استراتيجية التقسيم/ التجزئة:
تشير استراتيجية التقسيم إلى النظام الذي يتضمن مشكلة أو خللاً في أجزاء مستقلة، بحيث يكون كل جزء مستقلا عن الآخر، أو عن طريق جعل هذا النظام قابلأ للفك والتركيب، أما إذا كان هذا النظام قابلا للتقسيم أصلاً، فيمكن حل المشكلة عن طريق زيادة درجة التجزئة أو التقسيم.
2- استراتيجية الفصل/ الاستخلاص:
تشير هذه الاستراتيجية إلى حل المشكلات في الشيء أو النظام أو أي جانب محدد عن طريق فصل المكونات التي تؤدي إلى حدوث أضرار في النظام، أو عن طريق استبقاء الأشياء والمكونات المفيدة للنظام.
3- استراتيجية النوعية(الموقعية):
تتضمن هذه الاستراتجية حل المشكلات التي يواجهها الشيء أو النظام من خلال تحسين كفاية كل جزء أو محل أو موقع في النظام، عن طريق تغيير البيئة المنتظمة فيه إلى بيئة غير منتظمة، وعن طريق جعل كل جزء في هذا النظام يعمل في أفضل الظروف الممكنة، وعن طريق الاستفادة من أجزاء النظام بحيث تؤدي وظائف أخرى مفيدة.
4- استراتيجية العمومية:
تشير هذه الاستراتيجية إلى تصميم الشيء او النظام،بحيث يكون قادراً على القيام بعدة وظائف أو مهمات بدلاً من الاكتفاء بمهمة وحيدة،وبذلك تنتفي الحاجة إلى استخدام انظمة اخرى لتأدية هذه الوظائف.
5- استراتيجية القوة الموازنة:
يتم حل المشكلات باستخدام القوة الموازنة عن طريق تعويض وزن شيء أو تقويته من خلال ربط هذا الشيء أو دمجه بنظام أو أي شيء آخر يزوده بالقدرة على رفع هذا الشيء أو دفعه أو تقويته.
6- استراتيجية العمل التمهيدي المضاد:
تستخدم هذه الاستراتيجية في حل المشكلات عندما يكون من الضروري القيام بعمل له آثار ايجابية مفيدة وأخرى سلبية ضارة،حيث يصبح مهماً في هذه الحالة القيام بإجراءات مضادة لضبط الآثار الضارة.وإذا تبين أن نظاماً أو شيئاً يتضمن توتراً أو اختلالاً في بعض جوانبه، فلا بد من اتخاذ الإجراءات المضادة لاحتواء هذا التوتر.
7- استراتيجية القلب/ العكس:
تشير هذه الاستراتيجية إلى استخدام إجراءات معاكسة لتلك المستخدمة عادة في حل المشكلة،فإذا كانت الأشياء ثابتة نجعلها متحركة،وإذا كانت متحركة نجعلها ثابتة.أي اننا نواجه الموقف المشكل عن طريق قلب العمليات أو الإجراءات المستخدمة رأساً على عقب.
8- استراتيجية المرونة/ الدينامية:
تتضمن هذه الاستراتيجية تصميم الشيء أو خصائصه أو بيئته الخارجية أو العمليات التي يقوم بها، بحيث يمكن تغييرها لايجاد أفضل ظروف العمل، وتصميم أجزاء ومكونات الشيء أو النظام بحيث تكون قادرة على الحركة( ليست ثابتة). وجعل الأشياء أو العمليات الثابتة غير مرنة قابلة للحركة والتعديل.
9- استراتيجية العمل الدوري/الفتري:
تتضمن هذه الاستراتيجية حل المشكلات القائمة في شيء أو نظام معين عن طريق استخدام العمل الدوري او الفتري المتقطع بدلاً من العمل المستمر. وإذا كان أسلوب العمل الفتري/الدوري مستخدماً من قبل، فيمكن حل مشكلة قائمة في الشيء أوالنظام عن طريق الاستفادة من فترات التوقف أو الانقطاع عن العمل لأداء مهمات أخرى.
10-استراتيجية تحويل الضار إلى نافع:
تتضمن هذه الاستراتيجية استخدام العناصر أو الآثار الضارة في النظام أو البيئة التي يوجد فيها، للحصول على آثار أو نتائج إيجابية، كما يمكن التخلص من الآثار الضارة عن طريق إضافتها إلى عناصر ضارة اخرى، وأحياناً يمكن زيادة الضرر أو الآثار الناجمة عنه إلى أن يصبح غير ضار.
مستقبل هذه النظرية
إن الحديث عن مستقبل هذه النظرية يحتاج إلى الكثير من التروي قبل الاستطراد في الحديث عنه، إذ أن المستقبل بحد ذاته يعتمد على إرادة الإنسان وجهده الدؤوب في تحقيق رؤيته، وكل ذلك بطبيعة الحال في علم الغيب الذي لم يطلع الله سبحانه وتعالى عليه أحداً،ولكن الشيء المؤكد هو أن هذه النظرية قد انطلقت في السنوات العشر الأخيرة بسرعة كبيرة في دول كبيرة ومهمة من النواحي العلمية والاكاديمية والصناعية والاقتصادية بشكل عام وهذا مؤشر قوي على أن هذا الاهتمام سوف يسهم في إثراء هذه النظرية وتمكين مفاهميها وأدواتها ومدى توظيفها، بحيث يسهم بشكل بارز في تفعيل استخدام هذه النظرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل نصل إلى مرحلة نحوسب فيها نظرية تريز؟ توضع في الحاسوب ملايين المشكلات وحلولها والاستراتيجيات المستخدمة فيها، هل يوضع في الحاسوب طرائق عامة لحل المشكلات؟ وما عليك سوى أن تكتب مشكلتك وتنتظر دقائق وربما ثواني لتجد بدائل الحلول المقترحة أمامك، من يدري؟! فربما لا يكون ذلك بعيداً. وهذا لا يلغي عقل الإنسان بل سنظل بحاجة أكثر إلى عقل الإنسان الذي يدير ويغذي ويشغّل هذه التقنية، إنه دوماً عقل الإنسان، فتبارك الله أحسن الخالقين.
اترك تعليقاً