يقرع جرس الإنذار .. الكسل الإبداعي بين الواقع والضرورة

دار الخليج: يثير انقطاع المبدع عن عالمه الإبداعي، سواء أكان ذلك في مجال الكتابة، سرداً وشعراً، أم في غيرهما من المجالات كالموسيقا أو التمثيل أو التشكيل، وغيرذلك، الكثيرمن القلق، ليس عند هذا المبدع وحده فحسب، بل لدى متابعي تجربته أيضاً، لاسيما في ما إذا كان من ذلك الصنف الذي عود نفسه ومتابعي تجربته، على تقديم إنتاجه ضمن توقيت زماني دوري، مايدعوهم للاستفسار عن أسباب هذا الانقطاع في التواصل .


إبراهيم اليوسف

 

وإذا كان من شأن المتلقين-عادة-أن يقرعوا أجراس الإنذار للمبدع المنقطع عن التواصل الإبداعي معهم، منبهين إياه، عبرطرق تفاعلهم الاعتيادية معه، ما يكون داعياً لاستنفار هذا المبدع، للتحرك، بغرض سدّ الفراغ الذي تركه، فإن المبدع نفسه أول من يستشعر الإحساس بهذه الهوة التي تتم بينه ومجاله الإبداعي من جهة، وبينه ومتلقيه من جهة أخرى .

واستشعار المبدع بالانقطاع عن الإبداع-على حين غرة- يأخذ أشكالاً عديدة، من ردود الفعل لديه، لاسيما عندما لايكون له خيار في الأمر، حيث إن هناك مبدعين يبتعدون عن عوالمهم الإبداعية، نظراً لانخراطهم في أعمال جانبية، تحول بينهم والإبداع، ومن بين ذلك: السفر، أو الانشغال بعمل وظيفي، أو حتى بأعراض مرض عرضي، كما أن ردود فعله المشار إليها، تتباين تبعاً لعلاقته الشخصية بالانقطاع، حيث قد يخف القلق، في ما إذا كان مدركاً الأسباب الكامنة وراءه، بيد أنه يشتد، في ما إذا كان مجهول الأسباب، ولاعلاقة شخصية له بالأمر .

ولابد من معرفة أمرآخر وهو، أن هناك بعض المبدعين-في المقابل-يواصلون إبداعهم، وفق خط تصاعدي مستمر، من دون أي توقف، ملحوظ، ولعل هذا النموذج من المبدعين، يتمتعون بموهبة رفيعة، استثنائية، تؤهلهم ليكون بين أيديهم ما هو جديد دائماً، إلى الدرجة التي تدفع المتأمل لطبائعهم إلى الدهشة، وما أكثر هؤلاء المبدعين الذين يحار المرء كيف قدموا كل إبداعهم، ضمن سنوات محددة من أعمار تجاربهم الإبداعية! .

ومن يتتبع السيرة الإبداعية لكبار المبدعين عالمياً، فإنه يجد أنه حتى من كان الأغزر بين هؤلاء إنتاجاً إبداعياً، قد يمر بفترات تراخ، وراحة، يضطر خلالها إلى عدم المواظبة على العطاء بوتيرة واحدة، نتيجة عوامل عديدة، فهي تسمى فترات الاسترخاء لدى المبدعين عامة، وهي فترات لايمكن التنبؤ بمددها الزمانية، فهي قد تكون قصيرة أو طويلة، حسب طبيعة كل منهم، وحالته النفسية، ودرجة حساسيته في التفاعل مع أدواته الإبداعية، وفي مقدم ذلك دواعي الإبداع لديه، إلا أن استمرارها يشكل عاملاً جد خطير على الإبداع .

وحالة الاسترخاء المشارإليها، تعد، ضمن هذا المنظور، أمراً ضرورياً بالنسبة للمبدع، لاسيما في ما إذا وضعنا في الحسبان جهد المبدع ومعاناته أثناء عملية الإبداع، وذلك قبل أن يقدم إنتاجه إلى متلقيه، لأن أي إبداع، مهما كان نوعه، فإنه يمر بعمليات معقدة وصعبة، يدفع ضريبتها المبدع، وهي ما يصطلح عليه ب”الولادة الإبداعية” التي يعرفها الشاعر، والقاص، والروائي، والرسام، والمغني، والموسيقي، والممثل . . إلخ، وهي عملية مضنية، تدفع مخاضاتها إلى استنفاذ أعصاب صاحبها، واستنفار حساسيته، إلى أقصى مدى، وهو ما يُحوجه- في غفلة منه- ومن دون أي تخطيط مسبق، إلى فترات الاسترخاء، تحقق له توازنه الداخلي، في انتظار جاهزية اختمار عوامل الإبداع لديه، مرة أخرى، كي يواصل دورة العطاء والإنتاج .

ويمكن الإشارة، أثناء تناول موضوع فترات استرخاء المبدع إلى أن الاسترخاء، وباعتباره ترجمة للكسل، فإنه قد يؤدي إلى إلفة بعضهم مع هذه الحالة، إلى الدرجة التي يمكن لبعضهم الاستعاضة عن المواظبة على العطاء الإبداعي، باللجوء إلى عادات جديدة، أو قديمة، يستهلك في دوامتها أوقاته، وهي في جوهرها حالة غير صحية، لذلك فإن على المبدع الانتباه إلى هذا الجانب، والعمل بعد أي فترة استرخاء، للخروج منها، والحيلولة دون استمرارها، من خلال العودة إلى عالمه الإبداعي، ليتحول الإبداع إلى عادة أولى، رئيسة، في حياته، لاغنى عنها ألبتة، وهوشأن كل مبدع كبير .

Image
Image