بقلم أ.طلال الرواحي
مدارسنا.نت : أيها التربوي الرائع تمعن معي في الأسطر القادمة جيداً وبعدها سأرحب بك ترحيباً يليق بمقامك، دخل أحد الباحثين في الأردن أحد الصفوف وطرح على الطلاب سؤالاً غريباً وهو :
– كم طالب غبي يوجد في هذا الصف؟ وأرجو من الطلاب الأغبياء رفع أيديهم
فرفع ثلاثة طلاب كانوا يجلسون في الخلف أيديهم !!! وبعدها بدأ يتهامس أغلب طلاب الصف لمَ سعيد وخالد وأمجد لم يرفعوا أيديهم فهم أغبياء أيضاً، وعندما كثر الهمس وبدأت كل الأنظار بالإتجاه إليهم رفع المساكين أيديهم باعتبار أنهم أغبياء أيضا!!!
أهلاً بك أيها التربوي المبدع والمتجدد لعلك مندهش قليلاً من سؤال ذلك الباحث، ولكي أخفف عنك تلك الدهشة لابد لي من اخبارك بأن ذلك الباحث كان يقوم بدراسة تتمحور حول تأثير الألفاظ والصفات السلبية على الطلاب ومن أهم هذه الصفات ( الغباء )، وحقيقة انبهرت بنتائج تلك الدراسة عندما أطلعت عليها منذ سنين، ومن بين نتائجها نتيجة تشير بأن هناك ارتباط وثيق جداً بين الصفات والألفاظ السلبية التي يطلقها المعلمون أو أولياء الأمور على الطلاب وبين انخفاظ مستوى التحصيل وكذلك عدم وجود أحلام أو أهداف عظيمة لهؤلاء الطلاب، ومما أكد لي صحة تلك النتيجة موقف حدث لي عندما كنت معلماً قبل سنوات وبالتحديد عندما طلبت من أحد طلابي بأن يجيب على سؤال بسيط فقال لي بمنتهى العفوية والبراءة: أستاذ أنا لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال ولا على غيره من الأسئلة، فسألته لماذا ؟ فأجاب : لأنني طالب غبي !!! وإذا لم تصدقني اسأل بقية المعلمين وإذا لم تصدقهم أيضاً بإمكانك أن تسأل والدي بالمنزل !!!! لذلك انا لا أستطيع الإجابة عن أي سؤال!!!
كما لاحظت معي أيها القارئ الرائع لقد ترسخ في عقل بطل قصتنا السابقة وكذلك عقول الطلاب الذين ذكرتهم في مقدمة رحلة اليوم بأنهم أغبياء وذلك بسبب كثرة سماع هذه الكلمة وهذه التهمة التي أتهموا بها ( عندما أقول تهمة فأنا أعني ما أقول ) حتى وصلوا لدرجة بأن هذه الصفات والألفاظ انتقلت لعقلهم اللاواعي وصدقوها، وبدأوا يتصرفون وكأنها حقيقة مُسَلم بها غير قابلة للنقاش لأنها صادرة من عند من؟ ……… نعم من ذلك القدوة المعلم أو من ذلك المثل الأعلى الأم أو الأب، فوضعوا هؤلاء الضحايا أنفسهم في هذا المعيار المتدني الذي دفع ثمنه الكثير من طلابنا المساكين .
والآن دعني أصل بك قارئي المتفرد لعنوان رحلتنا اليوم ” حتماً موجود ” وأقصد به الذكاء، فالعلم الحديث اكتشف مؤخراً بأن ليس هناك انساناً غبياً، وإنما كل من يعيش على هذه الأرض فهو ذكي وهذا الذكي يختلف من شخص لآخر، وهذه ما تؤكده نظرية جاردنر للذكاءات المتعددة التي تشير بأن هناك عدة ذكاءات منها الرياضي ومنها الإيقاعي ومنها العاطفي وغيرها من الذكاءات العديدة، فقط هذه الذكاءات بحاجة لبعض البحث والتنقيب ليتم اكتشافها لأنها حتماً موجودة .
لعلي لم أقنعك بعد أيها التربوي المثقف لذلك لابد لي أن أذكر لك مثالاً أستطيع أن أجزم بأنك عايشته، وهو بأنني أعود معك لأيام سابقة عندما كنت في مقاعد الدراسة أليس هناك بعض الطلاب يجلسون في الخلف وينعتهم بعض المعلمين بأنهم أغبياء؟ وكأنني أسمعك تقول بلى، لأقول لك بعدها أليس من هؤلاء الطلاب اليوم من هم ناجحين وربما يتقاضى البعض منهم رواتب أكثر من راتبك ؟! وكأنني أسمعك مرة ثانية تجيب وهذه المرة بصوت منخفض يحمل بعض الاستغراب وتقول بلى !!
دعني أوضح لك هذه الأمر فهؤلاء الطلاب لم يكونوا يمتلكون ذكاء كالذي تمتلكه أنت ربما أستطيع ان أطلق عليه الذكاء المعرفي ( وهو استيعاب الدروس وفهمها ومن ثم التمكن من الإجابة عن أسئلة الامتحان ) بل يمتلكون ذكاءاً آخر ربما أستطيع أن أسميه الذكاء الاجتماعي فمن يتاجر في العقارات والأراضي والسيارات مثلاً لابد له أن يمتلك هذه النوع من الذكاء، لذلك أستطاعوا بهذا الذكاء أو بغيره من الذكاءات الأخرى أن يصلوا إلى ما هم عليه الآن، ولكي أقنعك أكثر بهذه الفكرة ركز معي صديقي الكريم في اسم من أسماء الله الحسنى وهو ” العدل ” أي بحسب وجهة نظري الشخصية والمتواضعة بأن الله عادل بين عباده فكل انسان ذكي فقط هذا الذكاء يختلف من شخص لآخر، والأهم من ذلك كله بأننا يجب بأن نقتنع اقتناعاً كلياً ونردد عنوان هذا المقال ونقول بأنه ” حتماً موجود ” .
لذلك في الختام أوجه هذه الهمسة لكل مربي يحمل أمانة التربية في عنقه ” ابتعد عن الألفاظ والصفات السلبية التي قد تؤدي إلى تدمير مستقبل من تربيه، واستبدلها بألفاظ وصفات إيجابية لتجني منها الخير الأكيد بإذن الله ” وإذا قمت بذلك أستطيع أن أصفك بأنك ” تربوي من كوكب آخر، لنلتقي في رحلة جديدة في الشهر المقبل، وإلى ذلك الحين أرجو لك ألفاظا إيجابية من كل من هم حولك .
موقف
في يوم من الأيام كان هناك طفل صغير عاد من المدرسة وهو يبكي بشدة، وعندما وصل المنزل سألته أمه عن سبب ذلك البكاء، فإذا به يقول: بأن المعلم قال لي اليوم بأنك ولد غبي فابتسمت أمه بعد ما مسحت له دموعه وقالت لإبنها: يا بني لا عليك من كلامه فأنت أذكى طفل في العالم، فاقتنع الإبن بكلام أمه، ومارس نشاطه اليومي المعتاد، وبعد مرور عدة أيام رجع مرة أخرى من المدرسة وهذه المرة يبكي بشدة وحرارة فسألته أمه مرة ثانية عن سبب البكاء فقال لها: اليوم فُصلت من المدرسة، استغربت الأم من ذلك!! واصطحبت ابنها إلى المدرسة وقابلت المديرة وسألتها عن سبب ذلك الفصل فقالت لها المديرة : إن ابنك متخلف عقلياً ونحن غير مستعدين أن نعلم شخص بهذه الحالة، فرجعت الأم إلى المنزل، وقامت كما تشير بعض الكتب والمراجع بتدريس ابنها ببعض الإمكانيات المتواضعة كاستئجار بعض المعلمين وغيرها، والأهم من ذلك (الأهم الأهم الذي أطلب من كل أم أن تركز فيه جيداً )، بأن أمه يومياً كانت تهمس في أذنه بأنك أذكى طفل في العالم، هل تعلم أيها القارئ المثقف من هو هذا الطفل ؟
نعم … إنه توماس إديسون الذي أخترع المصباح الكهربائي واستطاع أن يكون في ذلك الوقت أذكى طفل في العالم ليس في نظر والدته فقط بل بشهادة العالم أجمع لأنني وفي هذه اللحظة أكتب مستفيداَ من إضاءة ذلك المصباح .