البحث العلمي وضرورة الأخذ به

د.عبدالله امبوسعيدي 

مما لاشك فيه أن تقدم الامم وتطورها انما يأتي بمقدار ما تنتجه وتطبقه من معارف علمية وتكنولوجيا حديثة. وأن مما نلاحظه في وقعنا العربي اليوم هو قلة الانتاج المعرفي نتيجة عدم الاهتمام بالبحث العلمي، وعدم جعله من ضمن أولويات الحكومات العربية بالرغم من الدور الكبير الذي يحققه البحث العلمي في الرقي بالأمة وجعلها في مصاف الدول المتقدمة. وفي افتتاحية العدد السابع من مجلة العربي العلمية، أسرد رئيس التحرير مجموعة من الحقائق المروعة عن الانفاق على البحث العلمي في العالم العربي مقارنة بما ينفق عليه في العالم الغربي والعالم المتطور. فذكر مثلا ان ما ينفقه العالم على البحث العلمي يبلغ حوالي 2.1 % من مجمل دخله الوطني على مجمل مجالات البحث العلمي، أي ما يعادل 536 مليار دولار، وهذا كلام جميل لكن لابد أن نعرف أي الدول تنفق النسبة الأكبر من هذا المبلغ. نجد أن الانفاق الأكبر يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والاتحاد الأوروبي، اذا تنفق هذه الدول مجتمعه ما يقارب 417 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبا 78%. وتنفق الولايات المتحدة الامريكية وحدها على البحث العلمي أكثر من 168 مليار دولار، أي ما يعادل 32% مما ينفقه العالم على البحث العلمي، تليها اليابان ثم دول مثل المانيا، وفرنسا وبريطانيا وايطاليا. لكن في المقابل نجد أن الدول العربية تنفق ما متوسطه 3.2% من الدخل القومي، وهذه النسبة قليلة جدا مقارنة بالانفاق العالمي والانفاق في الدول المتقدمة. ناهيك على أن عدد الباحثين في العالم العربي قليل جدا مقارنة بما هو موجود في العالم الغربي. اذ يوجد في العالم الغربي ما يعادل 1.3 باحث لكل ألف من القوى العاملة. وطبعا هناك العديد من الاسباب تؤدي الى ذلك مثل قلة مراكز الأبحاث وقلة تجهيزاتها، وقلة الحافز المادي المقدم للباحثين، بالاضافة الى حرية البحث وحرية الكلمة وغيرها من العوامل.

 

اننا في العالم العربي في أزمة حقيقة ونحن مستشعرين هذه الأزمة، لكن ماذا فعلنا في السابق لتجاوزها، وماذا نحن فاعلين في المستقبل؟. اما فعلناه في الماضي كان بسيطا وكانت جهودا تقام على استحياء لذا لم تؤدي فاعليتها وبقي الأمر على ما هو عليه، بل زادت الفجوة أكبر وأكبر. واعتقد أن الظروف اليوم مواتية أكبر للقيام بتحرك جديد فعال نحو جعل البحث العلمي أحد مرتكزات التنمية في البلدان العربية، واعطائه الاهتمام الأكبر من قبل الحكومات من خلال مجموعة من الاجراءات العملية يمكن ابرازها في النقاط الآتية:
• ضرورة زيادة ميزانية البحث العلمي من مجمل ميزانية الدولة من أجل توفير التمويل اللازم للقيام بمجموعة من المشاريع والمراكز البحثية. فالميزانيات البسيطة لن تكون مجدية نفعا في تطوير البحث العلمي لأي دولة، لأن البحث العلمي بطبيعته مكلف لكن نتائجه مفيدة جدا على المجتمع.
• انشاء المراكز البحثية الحديثة، ويوظف فيها عدد من الباحثين المؤهلين تأهيليا جيدا. اذ انه من المعروف أن مراكز الأبحاث تحتاج الى تجهيزات خاصة وغالية، كما أن تأهيل الباحثين في مجال العلوم يحتاج الى سنوات طويلة وفي جامعات مرموقة، وكل هذا يتطلب دعما ماليا كبيرا من قبل الدولة بقطاعيها العام والخاص.
• وضع استراتجية بحث علمي وطني من اجل الارتقاء بالبحث العلمي وتطويره لخدمة التنمية في الوطن. فللاسف ان ما نلاحظه في العديد من الدول العربية عدم وجود استراتجيات للبحث العلمي تتميز بالواقعية والقدرة على التطبيق. فالكثير من دولنا العربية تضع استراتجيات طموحة للبحث العلمي ولكن الناتج منها القليل لأنها استراتجيات غير محددة الأهداف أو انها غير قابلة للتطبيق في ضوء الامكانات المتاحة.
• نشر ثقافة البحث العلمي بين ابناء المجتمع وتوعيتهم باهميته في تطوير البلد وتنميتها. فالدول المتقدمة تضع هذه النقطة من ضمن أولوياتها في مجال البحث العلمي، لأن عدم نشر مثل هذه الثقافة بين أفراد المجتمع سيعيق من تطبيق نتائج البحوث في الواقع الذي يعيشه هؤلاء الأفراد.
• تدريب الطلبة في مراحل التعليم المختلفة على مهارات البحث العلمي من اجل خلق جيل يمارس تلك المهارات مستقبلا. وهذا ما نحتاج اليه في الوقت الراهن، لأنه للاسف لا يتم تدريب الطلبة على مهارات البحث العلمي، ولا يتم توفير الظروف المناسبة لتطبيق امتلاك الطلبة لتلك المهارات على أرض الواقع. فقد نطلب من الطلبة عمل تجربة وكتابة تقرير لكن الى أي مدى تحقق لدى الطالب فهما لماذا هذه التجربة؟ وكيف يمكن تغيير في احد جوانبها لأنتاج شيء جديد مثلا؟ وكيف يمكن تعميم نتائج التجربة وتطبيقها في أرض الواقع؟
• استحداث منصب المستشار العلمي للحكومات العربية بهدف تقديم المشورة والنصح فيما يتعلق بالبحث العلمي وسبل تطويره عملا بما هو موجود في بعض الدول المتقدمة، على أن يتم اختيار مثل هذه الشخصيات في ضوء الكفاءة والخبرة والمؤهل، لا في ضوء اعتبارات أخرى بعيدة كل البعد عن ما يتعلق ويرتبط بالبحث العلمي.
• ضرورة دفع القطاع الخاص في البلد للمساهمة في تطوير البحث العلمي من خلال دعمه انشاء المراكز البحثية واعداد الباحثين وتمويل المشاريع البحثية.

هذا ومن المهم جدا تطوير التعليم العام والتعليم العالي في كل جوانبهما من حيث الأهداف والمحتوى وأساليب التدريس وتوظيف تكنولوجيا التعليم والتقويم، كما لابد أن نولي عناية خاصة فيما يتعلق بتدريس العلوم والرياضيات والتكنولوجيا، اذا ما اردنا ان يكون لنا مكانة بين الدول المتقدمة في مجال البحث العلمي.

 


Image
مقالات ذات العلاقة
Image