أسرار الموهوبات في لقاء مع معلمة التفوق والابتكار

وعي الأسرة والمجتمع المدرسي بالموهبة والموهوبات يصنع فرقا كبيرا في مستقبلهم وحياتهم، سواء المهنية أو الاجتماعية.

يحتاج التعامل مع الموهوبة إلى فن و دقة ووعي؛ لتوجيهها، والأخذ بيدها و تغيير مسار حياتها من شخص عادي إلى شخص مميز منتج.

حدثتنا عن الموهوبات و موهبة الذكاء الفطري بشكل مفصل: معلمة تفوق وابتكار بإدارة التربية والتعليم بمكة المكرمة ومدربة البرامج الإثرائية للموهوبات الأستاذة نادية بندقجي.

ما العلامات التي تدلني على الفتاة الموهوبة؟ وهل يوجد اختبارات مقننة لاكتشاف الموهوبات؟

الابنة الموهوبة حادة الذكاء، هبة عظيمة من الله تعالى، ونعمة لابد من احتواءها و فهمها جيدا و بذل الغالي و النفيس لاستثمارها و توجيهها التوجيه الصحيح.


 

أكثر من يكتشف الموهبة هي الأم، فالأم هي المرافقة و الصديقة لابنتها، والمعلم الأول لطفلتها، فهي تلاحظ سلوكيات ابنتها ساعة بساعة، ويوما بيوم، و تستطيع أن تقارن بينها و بين الأطفال الآخرين أو إخوتها؛ لذلك لا بد أن تعرف علامات التميز حتى تعطيها حقها من التعليم والتدريب، ومن علامات التميز: شدة الملاحظة كثرة الأسئلة فكما نعلم: الموهوبون هم من يطرحوا الأسئلة، لا من يجيب على الأسئلة، فصيحة، شديدة الفضول، تحب الترتيب والتنظيم.

الموهوبة تهتم بالآخرين، و تشعر بمشكلاتهم، و تتأثر حتى بالمشكلات الاجتماعية الكبرى لديها إحساس بالقضايا العالمية و تسأل ماذا أفعل تجاه تلك المشكلات.

وبعض السلوكيات تشكل عبء عليها بدل من مساعدتها على النجاح، مثل: شدة الإتقان، و هذه من المشكلات التي قد تعاني منها الأم أو المدرسة، حيث إنهم قد يتركون عمل الأشياء من شدة خوفهم من عدم الإتقان، و بالتالي تكون لديهم أعمال غير مكتملة.

ومن الصفات السيئة: أنها عادة ملولة وعنيدة متصلبة الرأي، كثيرة الحركة، و سريعة الاستثارة، سواء بالغضب أو الحزن أو الفرح.

أما الطريقة المقننة لاكتشاف الموهبة، فهناك مقاييس ذكاء معروفة عالميا، منها الفردية، و منها الجماعية و لكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية الآن انطلق من العام الماضي 1431هـ المشروع الوطني للكشف والتعرف على الموهوبين، و يعتمد مقاييس مقننة للكشف عن أصحاب الذكاء المرتفع، و بالإضافة إلى مقاييس للإبداع، و تستهدف الصف الثالث و السادس ابتدائي و الثالث متوسط.

هل يوجد آليات معينة في اكتشاف نوع الموهبة لدى الفتاة، وهل يوجد فرق في آلية اكتشاف موهبة عن الأخرى؟

بالتأكيد اكتشاف المواهب يعتمد على الموهبة التي نبحث عنها، مثلا الكشف عن موهبة الإبداع في الكتابة أو الإلقاء تختلف عن آلية الكشف عن الموهبة الفنية في الرسم أو غيرها … لكن من السهل ملاحظة إبداع و تفوق الفتاة في مجال بعينه أكثر من غيره.

ما دوركم في وزارة التربية والتعليم بالنسبة ٌلاكتشاف الموهوبات؟

الموهبة التي نتبناها في إدارات التربية والتعليم، بالشراكة مع مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة و الإبداع هي هبة الذكاء العالي الذي يولد به الشخص.

و نتولى توعية المجتمع، و بالتحديد المجتمع المدرسي؛ لتقديم الخدمات لهذه الفئة المهمة للوطن، لاستثمارها من خلال البرامج و المسابقات المقدمة، ممثلة في وزارة التربية و التعليم و مؤسسة الملك عبد العزيز و رجاله للموهبة و الإبداع، بالإضافة إلى تقديم برامج التوعية. كما نسهم في تقديم دورا مهما في تقديم التدريب اللازم للمعلمات المسئولات عن الموهبة و الإبداع في المدارس و دعمهن بكافة البرامج و المصادر التي تساعدهن على تقديم الدعم للموهوبات داخل المدرسة، و يوجد قسم الكشف بإدارات الموهوبات للكشف والتعرف على الموهوبات، ونقوم بدور أساسي في تقديم البرامج الإثرائية، سواء داخل المدرسة أو أيام العطل الأسبوعية و الفترة المسائية.

كثير من الموهوبات تكتشف موهبتها متأخرا! على من تقع مسؤولية اكتشاف الموهبة البيت أم المدرسة؟

ملاحظة المعلمات للطالبة الموهوبة، من خلال معرفتهن بالطالبات، و تعاملهم اليومي معهن عامل مهم لترشيح الطالبة التي تتوفر فيها سمات سلوكية معينة، وهذه خطة أولى في مراحل الكشف عن الموهوبات، وكما ذكرنا الأم أو الأسرة بشكل عام يقع على عاتقهم هذه المسؤولية.

ما هو واجب الأب والمعلم في تطوير موهبة الفتاة حال اكتشافها؟

الفتاة أمانة لدى ذويها، وللأسف بعض الآباء لا يبالي إذ كانت ابنته موهوبة أم لا؟

و وعلى الضفة الأخرى من الآباء من يصحب ابنته لاختبار القدرات العقلية حتى و لو في بلاد أخرى، وهو ما يشكل فارقا كبيرا في حياة الابنة فيما بعد.

أرى أن واجبات الآباء نحو ابنتهم الموهوبة واجبات كثيرة على سبيل المثال:

التواصل مع المختصين التربويين والسلوكيين؛ لأن الموهبة على قدر ما هي نعمة، يصاحبها للأسف الكثير من المشكلات السلوكية التي تتمثل في العناد و العزلة و التعنت أو الانطواء.

توفير بيئة تعليمية في المنزل مليئة بالمصادر الغنية لتغذية هذا الدماغ بالفكر، فالموهوب شديد الشغف بالقراءة و المعرفة، معرفة ميولها من خلال الحوار الدائم معه، و القرب منها، وإدماجها في جماعات مثل الكشافة و غيرها.

الحرص على تعليمها لغات جديدة، فهي تتعلم بسرعة فائقة.

الحوار الدائم معها و إشراكها في قرارات البيت و العائلة.

احتوائها و بذل مجهود لإظهار الحب و الاهتمام بها لزيادة ثقته بنفسها.

أما بالنسبة للمعلمة:

على المعلمة تفهم حاجات الطالبة الموهوبة فهي عنيدة، لديها أسئلة كثيرة، تشعر بالملل إذا لم تجد ما يتحدى قدراتها فقد تسعى للمشاغبة للخروج من حالة الملل، فعلى المعلمة التعامل بحكمة مع هذا الموقف، أو التعاون مع المرشدة الطلابية أو إدارات الموهوبين لاستثمار طاقة الموهوبة.

لابد أن تراعي المعلمة أن الطالبة الموهوبة تحتاج لمستوى أعلى من المستوى الذي تقدمه للآخريات، فهي تحتاج لتكييف المنهج ليثري قدراتها؛ ولأن ذلك قد لا يكون واقعيا في فصولنا الدراسية تستطيع المعلمة تحضير أنشطة تتحدى قدرات الطالبة الموهوبة في الفصل بحيث تحلها هي وحدها.

طبعا المعلمة وحدها لا تستطيع عمل كل شيء، لكن المدرسة كمؤسسة متكاملة تستطيع أن توفر البرامج الإثرائية و الخدمات الإرشادية.

من الأخطاء التي ترتكبها المعلمة عادة عند وجود نابغة في الفصل الدراسي استغلالها في شرح الدروس لزميلاتها، وهو خطأ فادح؛ لأن الطالبة الذكية تكره التكرار، و تشعر بالملل إلا إذا أحبت هذا العمل فمهمة المعلمة رفع قدراتها لا استغلالها.

هل يوجد فرق في الموهبة بين الأولاد والبنات وكيف يمكن التعامل مع الفتاة الموهوبة؟

في مجال الموهبة نتعامل مع العقلية بغض النظر عن النوعية، سواء كان النوع ذكرا كان أم أنثى؛ لأن ما نبحث عنه هو العقلية الفذة و الذكاء الحاد و هذا بالطبع كما هو معروف علميا لا يتأثر بالجنس.

لكن للأسف هناك ضغوط اجتماعية، تعيق ظهور أو تطور الموهبة لديها، مما يؤثر بشكل كبير على ثقتها و تقديرها لذاتها مما يجعلها تخفي هذه الموهبة، و قد تكون محدودة داخل إطار ضيق جدا أو حتى معدومة، و على البيت و المدرسة في هذا الشأن تربية وتعليم الفتاة بشكل متوازن؛ بحيث تفهم ذاتها و قدراتها الغير محدودة، و كيف يمكنها أن تستثمر هذه القدرات لخدمة الدين و الوطن وفق ضوابط الشرع، بعيدا عن المغالاة في وضع حدود و عوائق اجتماعية زائفة، تحد من قدراتها التي تعتبر ثروة لا تعوض الدين والوطن.

ما المواهب التي نحتاجها كدولة تسعى للتقدم والتطور التكنولوجي لنساير العالم المتقدم علميا؟

مؤخرا توجهنا لدعم الموهوبين أصحاب الميول العلمية؛ لأننا في هذه المرحلة نريد إنشاء جيل من أبناء الوطن يهتم بالعلوم، ويتوجه لدراسة التخصصات العلمية الدقيقة والصعبة وبعض الدول حتى العربية، تختلف بحسب تراثها الثقافي في تقدير الموهبة و المواهب، فلدينا أمثلة عديدة من ثقافات مختلفة على موهوبين في مجالات الفن التشكيلي والشعر والعلوم، و لكن ما لا نختلف عليه هو أن كل هؤلاء الذين حفرت أسماءهم في ذاكرة التاريخ لا شك أنهم تمتعوا بالذكاء العالي و القدرة الناقدة الفذة؛ للوصول للقمة و أفادوا مجتمعاتهم بشكل أو بآخر.

من المؤكد أن الدول المتقدمة تقدمت بفضل صناعة العلماء من الموهوبين، ما الفارق بين اهتمام الدول الغربية بالموهوبين واهتمام الدول العربية؟

خلال دراستي في بريطانيا عن الموهوبين، وجدت لديهم اهتمام هائل بهذه الفئة؛ لأنهم يعلمون أنهم فئة منتجة وهم للوطن بمثابة الوقود للآلة.

يوجد بعض المدارس العالمية المعروفة، مهمتها الكشف عن المواهب ودعم الموهوبين بالبرامج الإثرائية المناسبة كمدرسة رينزولي في الولايات المتحدة الأمريكية ولاية كنكتكت.

ولو استعرضنا تاريخ الاهتمام بالموهبة في بعض المجتمعات الغربية، يتبين لنا مدى اهتمامهم بالموهبة، منذ ما يقارب من 150 عاما على سبيل المثال عام 1868 بدأت أول مدارس تعتني بالموهوبين والموهوبات في مدينة سانت لويس في أمريكا و في بداية التسعينات بدأ تطبيق نظرية العمر العقلي بفصل التلاميذ الموهوبين في فصول خاصة للعناية بهم، و ليس أمريكا فقط من اهتم بالموهبة في هونغ كونغ و دول أخرى استوعبت فكرة أهمية الاهتمام بهذه الفئة المنتجة للاستفادة منها لأقصى حد، و بدأ تطوير المدارس لتعليم الموهوبين و أول كتاب عن الموهوبين صدر في أمريكا و في 1954 تأسست رابطة خاصة للعناية بفئة الموهوبين.

لدينا في المملكة بدأ الاهتمام بفئة الموهوبين عام 1983 هـ أي بعد اهتمام الدول الغربية ب120 عاما تقريبا، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت العناية بالموهبة في خطوات سريعة ومتلاحقة في عهد الملك عبدالله خلال المشروع الوطني؛ لاكتشاف الموهوبين، وهو يستخدم منهجية مطورة للتعرف على الموهبة واكتشافها وبناء قاعدة بيانات مفصلة عن الموهوبين للاستفادة منها في وضع خطط وبرامج تتناسب مع قدراتهم.

ما هي الكلمة الأخيرة التي توجيهيها لكل أسرة لديها ابنة موهوبة؟

الطفل الموهوب أمانة ونعمة، ومن شكر النعمة المحافظة عليها، من المؤلم وجود طفل تظهر عليه علامات الموهبة، ثم تختفي في المدرسة لأي سبب كان، أو بسبب ضغوط الأسرة التي تتدخل دون وعي في تغيير مسار الطفل من المسار الموهوب فيه إلى مسار آخر يعتقدون أنه الأفضل له.

لابد من استشارة أهل العلم والمشورة في هذا المجال، و أخذه للمراكز المتخصصة في كشف القدرات و الاستماع للنصيحة دون تزمت، و إعطاء الفتاة حقها في التعلم و إبراز موهبتها، وعدم التقليل من شأنها و استضعافها، فقد تصل بموهبتها إلى الإبداع والتميز ما تضاهي به الذكور.

 

لها اون لاين: 2011/11/22 –

Image
Image