ما مدى إسهام المدرسة في صناعة القرار التربوي؟

مدونات الجزيرة (القطرية) – عبدالله الرسمي: كاتب وباحث تربوي يمني

بداية يفترض أن يكون كل معلم وتربوي وباحث وعامل في الميدان التربوي شريكا في صناعة القرار التربوي، كتغيير بعض المقررات الدراسية وطرح الأسئلة الكبرى التي تهم دور المعلم والمدرسة ورهانات الإصلاح التربوي الذي تحول إلى سلسلة قرارات مفاجئة وغير مدروسة، وهو ما يجعل المدرسة غير قادرة على تحقيق الأهداف المنشودة، خاصة أنه يسهم في تجريد المدرسة من المشاركة في تحسين وتقييم عملية التعليم ويكرس التحويل المتراكم في جعلها مؤسسة منفذة لما يملى عليها.

والسؤال الذي نطرحه ونحاول من خلاله تناول الموضوع من زاوية تربوية بحتة بعيدا عن أي تأويل يحوله إلى مادة لتوسيع فجوة الانقسام.

من المسؤول عن تعديل المقررات؟
إن مفهوم المدرسة الفاعلة هو قيادة وصناعة قرار دائم وسيرورة تربوية طويلة تجمع بين النظرية والممارسة والتعاون والتكامل، وهي المفتاح الأساسي لتربية أجيال واعية بحقوقها مدركة واجباتها نحو ذواتهم ونحو الآخرين والمجتمع والوطن ككل، وإن الحكمة السياسية التي تضمن تقدم الأمم هي تلك الاختيارات التي تجعل التلاميذ في صلب سياسته العمومية، وهو الرافعة الأساسية لكل بناء وإصلاح وتنمية حقيقية، وهذا ما برهنت عليه تجارب كل الدول التي حققت تقدما التي جعلت من تربية وتعليم الإنسان العصب الرئيسي لكل سياسة عمومية، مما مكنها من خلق تماسك اجتماعي حول قيم سامية تجعل من الفرد اللبنة الأساسية لكل مشروع مهما اختلفت مضامينه وأهدافه.

إن إقرار سلطات التعليم حذف وتغيير وإضافة مواضيع بعض المقررات، دون تخطيط مسبق، ودون تنسيق مع المؤسسة الأولى -المدرسة- قرار متسرع يتجاهل دور المدرسة والمعلم والواقع. وهو قرار يدفعنا إلى إعادة مساءلة واقعنا التربوي والبحث عن المسافة التي تفصل مؤسسة التربية ومكاتبها على حد سواء، ومدى التزام صناع القرار التربوي بالأسس واللوائح كما هو متعارف عليها وفق المرجعيات التربوية.

في سياق التحولات والتحديات الكبرى التي تعرفها الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية على المستوى الإقليمي أو الوطني، وما أفرزته تلك التحولات والتحديات من تنامي وتضخم موقع الأجيال الشابة وثقلها في البنية الاجتماعية لتركيبة المجتمع، ليس فحسب من وجهة نظر الديموغرافية، بل بثقله الاجتماعي على وضعية الواقع العملي والوظيفي والسياسي والاقتصادي التي أصبحت جد حرجة في ظل ضعف وتراجع أدوار المدرسة العربية العمومية، في المساهمة بشكل فعال في صناعة واتخاذ القرار التربوي لتحقيق النمو التربوي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وذلك ما أكدته مختلف اللوائح التربوية والوطنية، بل أكثر من ذلك، تحولت مؤسسة التربية المدرسية -مع الأسف- إلى مؤسسة لتنفيذ الإملاءات الحزبية والطائفية حرفيا، وبالتالي تحولت إلى آلة لصناعة التدجين والعجز والبطالة وأجيال من العاطلين عن العمل.

أين دور المدرسة في صناعة القرار التربوي؟
ما موقع المقررات وأهدافها في المنهج وعلاقتها بالارتباط المدرسي؟، وهذا ما تهدف إليه هذه الورقة التقديمية التي ليس غرضها التشويه ولا عرض أجوبة جاهزة، بقدر ما هو دعوة القائمين على تدبير القرار التربوي الإستراتيجي إلى إعادة التفكير بعمق في ضرورة مراجعة القرارات المتعلقة بالمناهج المدرسية وإصلاحها، وتفعيل دور المدرسة ومساهمتها في صناعة القرار التربوي، وفي علاقتها مع واجب الدولة بصفتها صاحبة التزامات قانونية إقرار مقررات تجمع بين توازن رؤية الميدان التربوي ورؤية الدولة لتحقيق أهداف التربية على وجه الخصوص.

لأنه من المستحيل فصل المدرسة عن مؤسسات الدولة العليا، أو فصل المناهج عن المجتمع وثقافته وحاجته، بل يمكن الحسم منذ البداية أنهما يشكلان وجهان لعملة واحدة وجب الوعي العميق بأهميتهما لصناعة القرار الصائب الذي يعيد المكان اللائق لدور وفاعلية المدرسة كمؤسسة اجتماعية مركزية في تربية وتكوين الأجيال تربية متكاملة، تجمع بين مشارب العلوم والآداب والفلسفة والفن والفكر والتكنولوجيا، بروح تربوية تستمد من مرجعية وطنية تساهم في بناء الأجيال الفاعلة والمنصفة تضمن الشعور بالانتماء إلى الوطن والمجتمع والانخراط في بنائه وتطويره في إطار تضامن يحقق التماسك الاجتماعي، ويفتح آفاق التنمية البشرية لمواجهة ورفع التحديات الكبيرة التي تواجه الدولة والمجتمع وتشكل مسؤولية جسيمة على القائمين على تدبير السياسات العمومية بشكل عام.

وبالعودة الى صلب السؤال: أين دور المدرسة في صناعة القرار؟ وإلى أي حد تساهم في صناعة القرار التربوي؟ وما الأسباب الكامنة في تنامي مظاهر سلبية تحط من دور المدرسة، تخدش صورة الفضاء التربوي مثل تهميش دور المدرسة والمعلمين العاملين في الميدان في بناء وإصلاح وتحديث المقررات بمختلف مستوياتها.. وغياب المشاركة المدرسية؟

هذه كلها أسئلة كثيرة وكثيرة جدا لا ينبغي أن نغض النظر عنها، كأن الاوضاع كلها بخير.

باستقراء الواقع ونتائج العديد من الدراسات التربوية يمكن تقديم أجوبة أولية نلخصها بما يلي:
عدم تمكين المدارس في بلداننا من صناعة القرار التربوي (الأمر الذي تم تجاوزه في الكثير من البلدان التي حققت إنجازات متميزة في الارتقاء في التعليم من خلال منح إطار شراكة بين المدرسة والمؤسسة المشرفة على التعليم لتحقيق أهداف التربية بشكل مرض)، بسبب مجموعة من السياسات والاختلالات تتوزع على مستويات عدة: المركزية الشديدة ومستوى التصور ومنهجية القرار والأدوات التربوية وكذلك مستوى التكوين والاقتصار على مواد بذاتها وتغييب مواد أخرى والمناخ العام المرتبط بضعف وتغييب التخطيط التربوي، وإشراك الفاعلين وتغييب مشاريع المؤسسة لروح التربية وغير ذلك من أسباب، مما ساهم في إضعاف دور ومخرجات المدرسة لم يتم علاجه بعد.
استحواذ وزارة التربية والتعليم على ما يصدر ويتعلق بالشأن التربوي وحصر وظيفة المدرسة في تنفيذ تلك التعاميم والقرارات دون مراجعة أو نقاش حولها. هو ما أفقد المدارس دورها في إصلاح الاختلالات والمشكلات سواء السلوكية او التعليمية لدى التلاميذ. بعد أن شعرت إدارتها والعاملين فيها بالتهميش والتجاهل والتعامل معهم بدونية وأدوات للتنفيذ لا يحق لهم النقد فضلا عن صناعة القرار التربوي.
وللخروج من هذا التفوق يمكن أن نذكر مجموعة من التوصيات والمقترحات منها:
الحد من المركزية الشديدة في إدارة التعليم ووجوب منح الإدارة المدرسية صلاحيات واسعة في صناعة واتخاذ القرار التربوي منها ما يتعلق بالمناهج، وتدريب وتأهيل المعلمين، وأساليب التعليم والقياس والتقويم.
تأهيل إدارة المدارس وكادرها لتحمل قيادة التعليم داخل المدرسة.
إشراك المدارس في عمليات الإصلاح التربوي وإعداد البرامج التربوية داخل المدرسة لتحسين أداء المدرسة ورفع مستوى التلاميذ وتجويد العملية التعليمية.

Image