” السر في التعليم الناجح هو احترام التلميذ” إمرسون
في حصة اللغة العربية وقد كنت طالبة في الصف الثاني عشر، أٌقف عند السبورة لأكتب كلمة (كرة) فكان رد المعلمة الفاضلة: خطك خط معلمة وستكونين يوما معلمة.
ابتسمت وعدت إلى الكرسي وسط تصفيق زميلاتي بطلب من معلمتي الفاضلة، جلست حينها أتمعن في خطي وفي ملامح معلمتي وفي صوتها وعباراتها التي لم تخطر ببالي فلم يكن لدي حلم أو طموح بأن أكون معلمة في المستقبل، وحين انتهت الحصة الدراسية سألتُ صديقتي الجالسة بجواري: هل فعلا خطي جميل وسأكون معلمة؟
فكان جوابها بالتأكيد ودون أدنى شك.
ابتسمت مرة أخرى ابتسامة فخر قبل أن أعود بذاكرتي إلى ما قبل 7 سنوات حين كنت طالبة في الصف الخامس وقد عدت إلى المنزل بعد أن تم تسليمي ورقة استدعاء لولي الأمر لسوء خطي في اللغة العربية، لم تكن لدي القوة على إبلاغ والدي بالأمر فالاستدعاء بغض النظر عن سببه كان مرتبطا بالبلادة والضعف الدراسي والتخلف في التعلم، الأمر الذي يغرس في نفس الطالب نوعا من الإحباط والخوف وعدم الثقة في النفس، وهنا يكمن دور الطالب في تعزيز ذاته، حيث لابد وأن يتم غرس الثقة في نفس الطالب مهما كانت الظروف والمواقف.
على غرار الاستدعاء الذي تم منحي إياه تم ابلاغ أختي الكبرى بالأمر: خط أختك سيء في اللغة العربية وعليها أن تستثمر الإجازة الصيفية في كتابة دفتر الخط 5 مرات على الأقل.
أختي التي أخبرتني يومها بأن خطي ليس سيئا، بل خطي جميل، ربما لم يكن سيئا بالفعل وربما كانت تحاول أن تنتشلني من براثن الإحباط والإحراج، وفعلا نجحت، فأنا لم أكتب من دفتر الخط يومها سوى صفحتين إلا أنني اتبعت أسلوبا أخر في محاولة مني لتحسين خطي وهي أن أقوم بإعادة كتابة الأخبار من الصحف والمجلات بعد مضي عام من الموقف، فلم يكن لدي تقبل للمعلمة ولا لحلها الذي وضعته لي ولا للفترة التي حددتها.
كان يقيني يومها بأن معلمتي مهتمة فعلا بأن يتحسن خطي ولم يكن القصد الزج بي في زنزانة الإحباط وانعدام الثقة إلا أنها أخطأت في الأسلوب حيث اتبعت الأسلوب العلني وأمام الجميع الأمر الذي عاد علي بنوع من عدم التقبل.
اللافت في الأمر بأني انهيت الثاني عشر وأكملت دراستي الجامعية وأصبحت فعلا معلمة كما غرست في نفسي معلمتي الفاضلة، وأصبحت معلمة للرياضة المدرسية وكأن كلمة (كرة) كانت دلالة على مستقبلي المهني، وحين مارست مهنة التعليم وضعت أمامي عهدا بأن لا ينطق لساني إلا بكلمة التحفيز للطلبة مهما كان فعلهم فكما قال إمرسون ” السر في التعليم الناجح هو احترام التلميذ” واحترام التلميذ يعني نجاحه ونجاحه يعني بناء وطن ومجتمع متحضر مثقف.
لا يكفي بأن يكون لدي كمعلم المعلومة وإنما لابد وأن يكون لدي فهم بالعلاقات الإنسانية والاجتماعية التي تحكم العلاقة بين الطالب والمعلم وتمضي بها في الطريق الصحيح الذي تكون محطاته اكساب معرفة ومهارة وبناء أخلاق ونهايته أساس متين من البناء الفكري والنمو العقلي المبني على مبدأ التعلم المستمر والتعلم مدى الحياة والإنتاجية المستمرة.
لابد وأن يعي كل فرد منا أهمية المكانة التي يشغلها وأن يؤمن بأن رب كلمة قد تصنع جيلا قائمة على الاحترام متسلحا بالمبادئ والقيم، مؤمنا بذاته وقدراته وموجها إياها نحو الطريق الصحيح, لابد وأن نكون موجهين لا معنفين وأن نكون طريقا لعبور ابناءنا الطلبة نحو اكتشاف ذواتهم, كلمة منك كمعلم تصنع فارقا وفعل منك يجسد ملحمة مستقبلية يسعى إليها المجتمع, فكل أبناء عمان يستحقون أن تكون لهم داعما ومعينا وعمان تستحق بأن تكون لها مخلصا ووفيا.