الرؤية: بدأت مؤخرًا وزارة التربية والتعليم الخطوات التنفيذية لتبني السلاسل العالمية في تطوير مناهج العلوم والرياضيات، والتي يتوقع أن يبدأ تطبيقها في الحقل التربوي مطلع العام الدراسي القادم على الصفوف من الأول
إلى الرابع، واستكمالا لتنفيذ هذه البرامج والمشاريع التطويرية تقوم الوزارة حاليًا بدراسة تطوير الخطة الدراسية بالاستفادة من التجارب والبرامج الدولية، ومن هنا التقت “الرؤية” مجموعة من المختصين والمهتمين بالمجال التربوي لنتعرف على أهميّة هذه الخطوة..
في البداية قال الأكاديمي الدكتور أشرف بن طالب الهنائي: الاستعانة بتجارب الدول المشهود لها بالكفاءة في التعليم يعود بالنفع على تعليمنا، وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى دراسات أو ندوات.
لذلك ففي البداية نوجه الشكر إلى الوزارة على هذا التوجه الذي طالما نادى به المهتمون بأمر التعليم، لكن يجب ألا ننساق وراء الشعارات البراقة ونتناسى واقع التعليم وكيفية إدارته، فالمتتبع لحال التعليم في عمان يعلم أن الاستعانة بالسلاسل العالمية قد تم طرحه في العديد من المحافل على مدى العقود السابقة.
ويضيف النبهاني أن الوزارة كانت ترفض المقترح لأسباب مختلفة ومتباينة، وفي المقابل استثمرت الوقت والجهد والمال في عدة توجهات، ما لبثت أن استبدلت الواحدة منها بالأخرى، تباعا، دون هدف أو استراتيجية واضحة. اللهم إلا الشعارات غير القابلة للقياس مثل: تجويد التعليم، والنهوض بالتعليم.. إلخ. دون أن تضع أي من معايير الأداء التي يمكن تقييمها وفي استخدمها محاسبة المقصر ومكافأة المجيد، ثم إنّ الاستعانة بالسلاسل الأجنبية لا يمكن أن يأتي دون النظر للجوانب الأخرى المحيطة بهذه السلاسل في بلدانها، مثل تجهيز البيئة المدرسية من مختبرات ووسائل ومصادر. وكيفية القياس والتقويم ومعايير الأداء المصاحب للسلاسل. ومدى تأهيل المعلمين في الميدان لتقديم هذه المادة. كل هذه النقاط لم يتطرق لها تصريح الوزارة، وإنما صورت الاستعانة بالسلاسل على أنه فقط المخلص والمنقذ للضعف الحالي للتعليم في عمان، لذلك وبناء على ما ورد في تصريحات الوزارة السؤال الآن، ماذا عن المبادرات والمشاريع السابقة مثل مصفوفة المدى والتتابع، ووثيقة المعايير والمشاريع العديدة لتطوير الأداء والكتب؟ هل تمت دراسة نتائج هذه الأعمال وتحديد المسؤولية عن هدر الموارد فيها دون الاستفادة منها؟
ويكمل بقوله: تحدثتم عن تطوير مختبرات العلوم، فهل راعيتم في هذا التطوير والاستثمار، الذي تم بالفعل، التوافق بينه وبين متطلبات السلاسل؟ أم أننا سوف نعاود تطوير المختبرات في غضون عام من الآن لتتوافق مع متطلبات السلاسل؟
ويضيف: التطبيق يبدأ العام القادم من الصف الأول إلى الرابع، فهل لديكم خطة لتأهيل المعلمين في شهور الصيف للتعامل مع المادة العلمية الجديدة؟ وماذا بعد انتقال الطلبة الى الصف الخامس؟ ما هي التكلفة المادية للمشروع؟ وهل تمت مقارنته بالبدائل الأخرى؟ هل يتضمن المشروع الاستعانة بكامبريدج في وضع أدوات القياس والتقويم؟ أم يتم التوفيق بين السلاسل وأدوات القياس الحالية؟ ما هي المعايير التي وضعتها الوزارة لتقييم نجاح أو فشل المشروع؟ مع العلم أنها يجب أن تكون معايير قابلة للقياس، وحبذا لو كانت في صورة أرقام لا تقبل التأويل، لا المعايير الفضفاضة غير القابلة للقياس.
8 سنوات من التفكير
وقال محمد العاصمي مدير دائرة شؤون لجنة التعليم بمجلس الشورى: لم تكن فكرة مواءمة السلاسل جديدة فقد طرحت منذ ما يقارب ثماني سنوات عندما كانت الوزارة تبحث عن حلول لمشاكل المناهج وجودة تأليفها، وما يثار من حديث حول كفاءة المحتوى التعليمي ومناسبة ما يقدمه للمتعلم وقد اتخذت الوزارة خطوات نحو هذا التوجه وجلبت مجموعة من السلاسل وقامت بمراجعتها عن طريق فرق من الدوائر المختصة ثم حدث تغيير في توجهات الوزارة وألغيت الفكرة واتجهت الأنظار لمشروع آخر، كل ذلك نتيجة لتغيير توجهات مسيري التعليم في الوزارة.
ويشير إلى أن هناك مشروع آخر ظهر بعد ذلك وهو تدريس مواد العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية وظهرت أصوات من داخل المؤسسة التعليمية تطالب بهذا التحول وبالفعل شكلت لجنة على عدة مستويات لدراسة هذا التوجه وزيارة مجموعة من الدول من أجل الوصول إلى رأي معزز لهذا التوجه ثم مرة أخرى تغيرت القناعات، وتوقف المشروع بعد الجولة المكوكية، ليظهر بعد ذلك توجه آخر وهو إعادة بناء مصفوفة المدى والتتابع لمواد العلوم والرياضيات والتي بنيت في العام 1998، مع بداية تطبيق التعليم الأساسي ومن أجل ذلك شكلت فرق من المناهج والإشراف والتقويم والميدان التعليمي وبدأت العمل وبعد سنتين ونصف طلب من هذه اللجان التوقف بعد أن أكملت جزءاً كبير من إعادة بناء المصفوفة القديمة؛ وذلك لأن التوجهات تغيرت واتخذت المؤسسة التعليمية قراراً يقضي ببناء معايير وطنية عمانية على غرار المعايير الأمريكية وأسوة بما تم في بعض دول الجوار على أن يستفاد مما تم إنجازه في مشروع بناء مصفوفة المدى والتتابع التي لم تكتمل بعد.
وأضاف: بدأ فريق المعايير في العمل أواخر العام 2012، على أن ينجز مهمته في أسرع وقت وفي مدة لا تتجاوز 3 شهور حسب تقديرات المختصين في الوزارة، تم تسليم النسخة النهائية للمعايير أواخر العام 2016م بعد ما يقارب أربع سنوات من العمل!! ولكن التوجهات تغيرت هذه المرة في المؤسسة التعليمية وأعلن عن العودة للمربع الأول وهو تبني سلاسل عالمية ومواءمتها لتتناسب مع المخرجات العالمية، وهو نفس السبب الذي أوصت به الدراسة الدولية تيمز 2007 حيث أشارت إلى أن مخرجات التعليم لدينا يجب أن تتوافق مع المخرجات العالمية ولكي تقتنع مؤسستنا التعليمية بهذا الأمر فقد احتاجت لقضاء دورتين من دورات الدراسة هي 2011 و2015 لتقوم بنفس العمل الذي قامت به في البداية.
وأكمل بالقول: هذه المقدمة كان لابد منها لكي نتعرف على أصل المشكلة في تعليمنا فالقضية الأساسية تتعلق بمن يتخذ القرار؟ وكيف يتخذه؟ وكيف ينفذه؟ وإذا استطعنا أن نجيب عن هذه الأسئلة فسوف نصل للحلول التي يمكن أن تشكل مسار تعليمنا من جديد، والذي أثبتت نتائج الدراسات الدولية أنه بحاجة إلى وقفة ومراجعة وتشخيص حقيقي لمشاكله وليس ما تقوم به الوزارة من حلول ناتجة عن مشاهدات لتجارب ناجحة في بعض البلدان قد لا تنجح لدينا.
ويشير العاصمي إلى أنّ ما يحدث في قرار التحول للسلاسل العالمية لا يعدو كونه امتدادا لسلسلة القرارات السابقة والدوامة التي لم تخرج منها الوزارة منذ التجربة الأولى للدراسات الدولية والتي أثبتت ضعف تعليمنا وحاجته إلى هزة قوية تعيده لمكانته وتصحح مساره، والدليل على أنّ مشروع مواءمة السلاسل هو امتداد نسقي للمشاريع السابقة هو كمية الغموض الذي يحاط به المشروع لدرجة أنّ أعضاء اللجان المشكلة للمواءمة لا يعرفون شيئا عنه سوى أنّهم سيقومون بترجمة ومواءمة سلاسل عالميّة في زمن قياسي لا يتعدى شهرين إذا استثنينا عملية المراجعة والإخراج والتصوير والطباعة والمطلوب مواءمة كتاب الطالب وكتاب الأنشطة ودليل المعلم على أن يبدأ التدريس بها مع بداية العام القادم للصفوف من 1- 4 من التعليم الأساسي وإلى وقت كتابة المقال ما زال العمل لم يبدأ.
ويكمل بالقول: لمن يسأل عن معنى مواءمة السلاسل العالمية فهي تعني تحويل هذه السلاسل لتتناسب مع البيئة العمانية بنفس المحتوى وبما أنّها أعدت باللغة الإنجليزية فالأمر ليس بالسهل وهو يشبه إلى حد كبير عملية التأليف بكل تفاصيلها إن لم يكن أصعب حيث يتطلب ذلك قدراً كبيراً من الجهد ورصيداً عالياً من اللغة والمعرفة، ويحتاج لوقت ليس بالقصير حتى تخرج المناهج الجديدة بدون أخطاء. والعارف بالسلاسل يمكنه أن ينظر لدليل المعلم الذي يحتاج وحده إلى فريق كامل لتأليفه لما يحتويه من أساليب وطرق تدريس وأنشطة إثرائية ووسائل تعليمية بديلة وحلول للأنشطة المنهجية.
ويشير إلى أن من أبجديات رسم السياسات واتخاذ القرارات إشراك أصحاب العلاقة من خلال اللقاءات وورش العمل للوصول إلى رأي مقنع، الأمر الذي يجعل عملية التنفيذ أسهل وأكثر قبولاً من جميع الأطراف ولم يعد مبدأ التكتم ذا فاعلية إدارية خصوصاً عندما يتعلق الأمر بسياسات طويلة المدى تتوقف عليها الكثير من النتائج وبدلاً من أن تتلافى المؤسسة التعليمية الأخطاء السابقة نجدها تستمر على نفس المنوال، وهنا لا أود التأكيد على أن السلاسل لن تنجح ولكن أود أن أطرح تساؤلات حول عدة جوانب أرى أنها مؤشرات لنجاح أو فشل هذه المشروع وهي: هل قامت الوزارة بتأهيل مطوري المناهج في مجال التأليف والتطوير؟ هل درست مدى كفاية الوقت لإنجاز هذا المشروع المهم؟ هل استعانت بأصحاب الاختصاص من خارج المؤسسة من أساتذة جامعات وخبراء في طريقها لاتخاذ هذا القرار المهم؟ ما المعايير التي وضعت لاختيار هذه السلسلة دون غيرها وهل كانت هناك شفافية ووضوح لإطلاع الرأي العام على ذلك؟ هل وضعت الوزارة في حسبانها فترة التدريب التي يحتاجها المعلم ليتعرف على هذه السلاسل وكيفية تطبيقها؟ وهل يدرك المشرف والمعلم الأول ما ينتظره من مهام؟ هل تتوفر لدى الوزارة معلومات بنوعية الوسائل التعليمية التي تستند عليها السلاسل أم أنّ هذا الأمر سيترك للشركة صاحبة السلسلة ثم تحدث الإشكالية التي حدثت سابقاً مع الشركة الكندية الموردة للوسائل التعليمية إبّان تطبيق التعليم الأساسي.
ويختتم بقوله: لن نصدر حكما متسرعا ولكن يجب أن نسأل كأولياء أمور، حيث أصبحنا نشاهد أبناءنا حقول تجارب لمشاريع مؤسستنا التعليمية فكيف لي أن أفهم أنّ ابني الذي يدرس كتاب العلوم للصف الثالث هذا العام سيدرس كتابا آخر العام القادم مبنيا على تسلسل ما سبقه في المعرفة (لذلك سميت سلاسل) ما يجعله عرضه للإخفاق؟
عناصر النظام التعليمي
من جهته قال الدكتور سيف المعمري أستاذ مشارك بكلية التربية جامعة السلطان قابوس: النظام التعليمي في عمان يمر منذ سنوات بمرحلة عدم يقين.. كيف يمكن القيام بالتطوير المنشود ومن أين تكون البداية، وهل يكون شاملاً لجميع عناصر النظام التعليمي أم جزئيا.. وقدمت في ذلك العديد من الرؤى التي ركزت على إجراء إصلاح شامل مبني على المعايير ولكن لم تظهر حتى الآن أية بوادر للبدء في التطبيق على الرغم من أنّ المناهج العمانية الحالية سوف تكمل 20 عاماً على بدء تطبيقها الذي بدأ في 1998 مع بدء تطبيق التعليم الأساسي.
ويضيف أنّ تدريس العلوم والرياضيات بالسلاسل العالمية سيكون محكوما بالعديد من التحديات أبرزها ما يتعلق بإعداد المعلمين ومدى استعدادهم وتوافر دواع لديهم لإعادة التدرب على هذه السلاسل، ثانيًا لدينا الطالب الذي تعود على الرياضيات باللغة العربية، وبالتالي سيواجه صعوبة كبيرة قد تؤدي الإخفاق إن لم يتم التدرج مع الطلبة من بداية سلمهم التعليمي، ثالثا هناك كلفة توفير هذه السلاسل العالمية والتي يجب أن تؤخذ في الحسبان رابعا هناك أيضا النصاب الممنوح للمادة في الجدول الدراسي هل سيتم تغييره حتى يتلاءم ومتطلبات الخطة الجديدة ؟ أنا لست ضد الاتجاه للتطوير.. وإعادة معالجة نقاط الضعف في النظام التربوي التي أرى أن وزارة التربية والتعليم تأخرت فيها لأسباب كثيرة ربما أهمها إشكالية الرؤية للنظام التربوي بشكل عام والمنهج بشكل خاص، فنحن لا تزال نغير في الوسائل والأدوات ولكن لا نحدث تغييرا في البيئة التي تتحرك فيها هذه الأدوات، تغيير ثقافة العمل والمعتقدات التي تحركها، طبيعة المدرسة وإدارتها، والقوانين التي تحكمها.. ما لم يحدث ذلك التغيير البنيوي أتوقع أنّ تجربة السلاسل العالمية ربما يصادفها حظ قليل من النجاح.
ويكمل المعمري بالقول: أعددت مع طلبة الدراسات العليا مشروعا منذ عدة سنوات من أجل البحث عن سر نجاح أنظمة تعليمية وإخفاق أخرى ووجدنا أن أحد الأسرار المهمة في ذلك تغيير البيئة المدرسية وجعلها جاذبة أكثر وكذلك الاهتمام بطرق التدريس وجعلها تركز على الاكتشاف والاعتماد على الطالب اي تطبيق مبدأ تدريس أقل تعلم أكثر.. وأتصور أنّ التوجه لرفع تحصيل الطلبة في العلوم والرياضيات لابد أن يصاحبه إنشاء أندية متخصصة لتعليم الرياضيات وأيضا مركز بحثي للابتكار والتجديد في تدريس العلوم والرياضيات في جامعة السلطان قابوس يقود عملية النهوض بتدريس هذه المواد.
السلاسل العالمية “طموح وتحديات”
وقال سعيد بن محمد بن علي المحرزي مشرف أول ومدرب تربوي بالمركز التخصصي للتدريب المهني للمعلمين: تسعى الكثير من دول العالم إلى تحديث منظومتها التعليمية باستمرار وذلك بهدف مواكبة التغيرات المتسارعة في شتى ميادين المعرفة والتكنولوجيا، وتعد مناهج التعليم من أولويات التطوير لدى هذه الدول، ومن هنا تسعى دول الخليج بشكل عام والسلطنة بشكل خاص إلى تطوير منظومة المناهج التعليمية بما يحقق أهداف التنمية المستدامة، لذا دأبت وزارة التربية والتعليم في السلطنة على تطوير منظومة المناهج للمراحل الدراسية مستندة على أسس ومبادئ فلسفة التربية بما يحقق الأهداف المرجوة.
ويشير إلى أنّ الوزارة قامت مؤخرا باختيار سلاسل علمية لمادتي العلوم والرياضيات تتبع شركة كامبريدج في التعليم وترتكز على دور المعلم في إدارته لعملية التعلم، وتود الوزارة تطبيق هذه السلاسل في العام القادم لطلاب مدارس الحلقة الأولى، أي من الصف الأول إلى الرابع، ويبدأ التطبيق دفعة واحدة لكل هذه الصفوف، وهذا يطرح تساؤلا مهما وهو: هل من المجدي والمفيد تربويا وعلميا أن يخضع طلاب الصف الثاني والثالث والرابع لهذه السلاسل وهم لم يدرسوا الحلقة الأولى من السلسلة؟ هذا بالإضافة إلى أن هذه السلاسل تسبق طلابنا في المرحلة العمرية بواقع عام دراسي واحد، لأنّها بريطانية المنشأ، وطلاب الصف الأول لديهم من سن السادسة وليس السابعة، وللعلم هناك تجربة سابقة للوزارة في سلاسل خاصة بمادة اللغة الإنجليزية للصفين الأول والثاني تُسمى سلسلة جولي فونكس، وقد تم تطبيقها عام 2009، وهي موجودة إلى الآن، وقد شاب تطبيقها أمور أثرت على فعاليتها، فلم تتم مواءمتها بالشكل المطلوب بحيث تتناسب مع ثقافتنا الإسلامية وموروثنا العماني، كذلك لم يتم توفير المتطلبات الخاصة بها من الحقائب العلمية والوسائل التعليمية الخاصة بها، ناهيك عن التكلفة العالية لها، ونخشى أن يتكرر هذا السيناريو مع سلاسل العلوم والرياضيات المزمع تطبيقها العام القادم، مع العلم أن الوزارة بدأت مشروعاً لتطوير مناهج الرياضيات لطلاب مدارس الحلقة الأولى قبل عامين تقريبا، وأكمل المختصون في مناهج الرياضيات تطوير منهج الصف الثاني، والسؤال هنا: ما هي نتائج ذلك المشروع الذي كتب له أن ينتهي قبل أن يكتمل؟.
ويضيف المحرزي: بما أنّ الوزارة اتخذت قرارا بتطبيق هذه السلاسل في العام القادم، أقول إنّ هناك متطلبات كثيرة لابد من توافرها حتى يمكن لتجربة تطبيق السلاسل العلمية للعلوم والرياضيات أن يكتب لها النجاح والتوفيق، وأول هذه المتطلبات هو مدى توافقها مع ثقافتنا وقيم مجتمعنا، لذا ينبغي أن تتم عملية مواءمة دقيقة لهذه السلاسل وأن يترك الوقت الكافي للمختصين الفنيين لتحقيق هذا الهدف، وذلك لأنّ هناك جوانب متعددة لابد من مواءمتها بالشكل المطلوب كالأهداف والأنشطة وأساليب التقويم لذا أرى أن يتم تطبيق هذه السلاسل العام القادم لطلاب الحلقة الأولى هو مجازفة كبيرة تقدم عليها وزارة التربية.
ويكمل بالقول: كذلك يعد تأهيل المعلمين من الضروريات الكبرى في سبيل نجاح تطبيق هذه السلاسل، وذلك لأنها تعتمد اعتمادا كبيرا على مدى تمكن المعلم في صياغة وإعداد أنشطة متنوعة وكذلك إدارته لهذه الأنشطة وخبرته في تقديم التغذية الراجعة وتعزيز التعلم الذاتي، لذا ينبغي تدريب المعلم بشكل كاف على تحقيق هذه المهارات، أمّا أن يتم عمل دورات مصغرة للمعلمين وغير كافية في بداية العام القادم حول هذه السلاسل ثم يتركون بدون دعم فهذا أمر غير مجدٍ تمامًا وسيؤدي حتما إلى ضعف فاعليّة هذه السلاسل، هذا بالإضافة إلى تحدي التكلفة المادية العالية لهذه السلاسل، مع ضرورة توفير المستلزمات من وسائل وقرطاسيات وموارد متنوعة لتسهل عملية التعليم والتعلم، وهذا يشكل تحديا قويا جدًا في ضوء الأزمة المالية وتقليل المصروفات في مختلف مؤسسات البلد، إضافة إلى التحدي الذي سيواجه أولياء الأمور في متابعة عملية التعلم مع أبنائهم، كذلك تعديل نظام تقويم الطلاب، والكثافة العددية العالية في الفصول الدراسية لطلاب مدارس الحلقة الأولى والمتوقع زيادتها في العام القادم.
ويختتم بالتأكيد على أهمية تطوير منظومة المناهج، غير أن هذا التطوير له أسس علمية ومتطلبات فنية وينبغي أن يكون للفنيين والمختصين بشؤون المناهج دور كبير في ذلك، وألا يتعلق الأمر فقط بالجانب الإداري، بل أقول إن كلا الجانبين الفني والإداري مكملين لبعضهما البعض.
آليات التطبيق
أما عبدالله بن محمد بن سالم البلوشي أخصائي اجتماعي مدرسي فيقول إنّ تطبيق مثل هذه التجارب العالمية عمل رائع يتماشى مع التطورات العلمية للمناهج الدراسية على المستوى العالمي، والتي تعد من خلاله مناهج جامعة اكسفورد من أفضل المناهج الأوروبية وبالأخص في مادتي العلوم والرياضيات، وهي كفكرة ونظرية نتفق على أهميتها وضرورتها الملحة، ولكن ربما نختلف على آليات تطبيقها، فهناك تحديات من المتوقع أن تواجهها هذه المرحلة من تطبيق هذا البرنامج، وذلك من خلال كيفية دراسة الاحتياجات التعليمية عند المعلم والطالب والطاقم الإداري والفني والإشرافي كل على حدة من واقع الميدان التربوي، وهو ما يقتضي تنظيم لقاءات ومناقشات مع العاملين في الميدان التربوي مباشرة، وليس الاكتفاء بتحديد الأطر ثم النزول للميدان، ففي هذا الميدان أفكار وتجارب يمكن الاستفادة منها، وبعض التجارب العلمية تتطلب أكثر من معيار لكي تصبح ملائمة، سواء من حيث الأدوات المستخدمة لهذه التجارب أو المواضيع التي تتناولها، وهل نبدأ من الصفر أو من حيث انتهى الآخرون، ويبرز مع ذلك أيضًا تحدي اللغة المستخدمة في شرح المادة التعليمية، فمعظم الطلبة تعودوا على المصطلحات والمفاهيم وشرح التجارب باللغة العربية، وتعلم كل ذلك بلغة أخرى قد يؤخر الطلبة ويشتت انتباههم بعيداً عن جوهر العملية التعليمية المتمثل في اكتساب المهارة المرجوة من التجارب العملية، كذلك هناك صعوبات لغوية في إيجاد ترجمة لبعض المصطلحات والمفاهيم، مما ينعكس بالسلب على المخزون اللغوي للطالب وربما فقدان للعنصر القيمي للهوية العربية في التعليم المرتبط بهذه المناهج، خاصة وأنّ الاحصائيات تشير إلى وجود تراجع في المستويات التحصيلية للطلبة وبالأخص في مادتي العلوم والرياضيات على الرغم من أنّها تدرس باللغة العربية، فكيف سيكون الحال والوضع التقييمي للطلبة إذا كانت ستدرس بلغة أخرى؟
استقطاب الخبرات الدولية
ويقول الكاتب حميد السعيدي: تسعى وزارة التربية والتعليم إلى استقطاب الخبرات الدولية الناجحة، بما يمكنها من تطوير المنظومة التعليمية، وتُعد المناهج الدراسية خريطة المعلم الذي تسانده على تحقيق التعلم الناجح، وإكساب المتعلمين الخبرات المباشرة وغير المباشرة، وفي ضوء المستجدات العالمية التي تُعنى بتطوير مناهج الرياضات والعلوم والتي تتصدر قائمة الاهتمام، لما لها من تأثير على مختلف القطاعات الأخرى، لذ لا ريب أن تُحظى هذه المواد بالاهتمام من قبل الوزارة، ويأتي مشروع سلسلة العلوم والرياضيات لدعم للطالب العُماني وربطه بالخبرات الدولية في ذات المجال، بما يتواءم مع الواقع التعليمي في السلطنة، وتعد هذه التجربة مجالاً للاستفادة منها، وأيضا فرصة لتقييمها والوقوف على فائدتها، ومدى فاعليتها بالنسبة للطالب، وقدرتها على إكسابه مهارات التفكير، والخبرات البحثية، والقدرة على التحليل والتأمل بما يساعده على اكتساب العديد من الخبرات التي تمكنه من استكمال الدراسات الجامعية العليا، إلى جانب امتلاك الطلبة العُمانيين للخبرات التي تمكنهم من المنافسة في الدراسات الدولية التميز بما ينعكس إيجابا على المستوى العام للأداء.