حديث ذو شجون .. لايفهمه إلا من نال حظ التعامل مع فئة أكرمها الله بنعم كثيرة، وابتلاها بالحرمان من نعمة السمع والكلام .. فئة ذوي الإعاقة السمعية، التي لديها من الطاقات والمواهب والإبداعات التي لا غنى للمجتمع عنها، لا سيما وأنها تشكل نسبة لا يستهان بها في هذا المجتمع، فئة تتحقق فيها عبارة من عبارات النجاح ( إعمل بصمت).. فهي تتسائل، وتفكر، وتبحث، وتلاحظ، وتتعجب، بل وتضحك، وتبكي .. كل ذلك (((بصمت)))… فالإعاقة السمعية تعتبر حاجزا كبيرا يحول دون اكتساب هذه الفئة للثقافة بأنواعها المختلفة، وذلك بسبب التأخر الواضح في النمو اللغوي لديها ، والذي بدوره يؤثر على النمو الاجتماعي والنفسي وغيره، الأمر الذي يسبب عجزا في مهارات الاستقبال والتعبير اللغوي والكفاية اللغوية، مقارنة بأقران هذه القئة من السامعين، مما يجعل حصيلتهم محدودة جدا من القراءة اللفظية المجردة. وقد لفت انتباهي شغف هذه الفئة من خلال تجربتي كمعلمة لمادة العلوم، في مدرسة الأمل للصم، التجربة التي امتزجت فيها المتعة بالألم، فلم أكن أتخيل أن الكشف عن المعلومات العلمية البسيطة يعتبر أمرا مذهلا لهذه الفئة، فهل يتصور أحد أن حقيقة (جسم الإنسان يتكون خلايا) تعتبر حقيقة مدهشة لهذه الفئة في صفوف المراحل العليا، فكنت أعرض عليهم الحقائق على أنها مسلمات، إلا أنني أواجه تساؤلات تظهر شكهم في كثير منها، لكون مستوى الثقافة العلمية لديهم محدود جدا، ومن خلال قراءاتي لواقع هذه الفئة في الدول الأخرى وجدت بونا شاسعا جدا، بين المستويين، فهناك من هو كاتب، وهناك من هو معلم، وهناك من هو باحث يحمل درجة الدكتوراة، وهنا من لا يعرف إلا الضرورات من المعرفة لكي يعيش فقط، تحيره الكثير من التساؤلات إلا أنه لا يجد من يجيب عنها بلغة يفهمها، واقع مؤلم بحق، إلا أنه سيشرق بعد حين بإذن الله.
لقد لمست في هذه الفئة حب المعرفة، والتطلع للجديد في ميادين العلوم المختلفة، وهذا مع شح المصادر والموارد التي تكسبهم هذه المعرفة، وتشبع فضولهم، وترتقي بثقافتهم العلمية. الأمر الذي دفعني إلى إنتاج هذه موسوعة علمية مبسطة تخاطب جميع المراحل العمرية من هذه الفئة، وتكسبهم جرعة بسيطة من الثقافة العلمية .. تروي ضمأهم، وتحيي فكرهم، وتجيب على بعض تساؤلاتهم، ولعلها تلامس حاجات كانوا يتطلعون لها من قبل. كما أنها فرصة لمن أنهوا تعليمهم، لاكتساب بعض المعارف العلمية، بطريقة تمتزج بالبيئة العمانية الساحرة التي ينتمي إليها أفراد هذه الفئة، وبمحاولة لتوظيف التقنية لكونها الساعد الأيمن في تسهيل وتجسيد الحقائق لتحاكي الواقع، وتقرب الصورة المجردة. كما أن هذه الموسوعة لا تخاطب ذوي الإعاقة وحدهم، بل تخاطب من يتولى أمرهم من معلمين، ومشرفين، في وزارة التربية والتعليم، ومن اختصاصيين وخبراء في وزارة التنمية الاجتماعية، ومن عاملين في الجمعية العمانية للمعوقين، ونادي الصم، وفريق دعم الصم. وقبل ذلك من آباء وأمهات لهذه الفئة، لعلها تكون شفرة التواصل بينهم لاكتساب الثقافة العلمية، ووقودا لتنميتها في المستقبل، إذ تقدم مفاتيحا سهلة، ومداخل ميسرة لربط الحقائق العلمية بالواقع، وتبتعد عن التعقيد والتجريد، وذلك بتوظيف الرسومات التوضيحية التي تعتبر وسيلة تواصل ناجع وفعال، يفهمه الأصم، وبدمج لغة الإشارة التي تعمق الفهم لديهم. وتحتوي على تجسيم ثلاثي الأبعاد في بعض نماذجها، كما حرصت على ربط هذه الفئة بالعلماء والفلاسفة لينالوا شرف الحديث معهم عن قرب بتسجيلات افتراضية خيالية، تلهب حماسهم، وتشوقهم للغد القريب الذي ينتظر منهم العطاء. فطاقاتهم التي كانت نائمة آن لها أن تستيقظ اليوم. وهنا إحدى الأفكار التي تتضمنها الموسوعة العلمية، مع استكمال بعض الأفكار في مقالات لاحقة بإذن الله.
رحمة بنت سالم الحارثية
[email protected]