نجمة تشجيع في دفتر الطالب تبني أمة..

لعل من اهم المراحل التي يمر فيها الانسان والتي تلعب دورا جوهريا في تكوين ابداعاته و الصورة التي يرسمها حول ذاته وامكانياته هي المرحل الابتدائية من الدراسة. إن الطفل عندما يبدأ اول ايامه في المدرسة فهو ينتقل الى بيئة جديدة حيث يصادف العديد من الاقران من نفس عمره, كلهم اجمعوا على أن المعلم هو القدوة الاساسية لهم هناك, وهو الوسيلة التي من خلالها يستطيعون تقييم أنفسهم وقدراتهم مقارنه بأقرانهم. هنا تكمن خطورة الدور الذي يلعبه مدرس الحلقة الأولى في المدرسة, فمن خلال ايحاءات المعلم الشفهية منها أو الجسدية حول أداء الطفل في المدرسة, يبدأ الطفل بالتنقل بين درجات سلم الثقة بالنفس والتي هي أولى بل وأهم أساسيات خلق طفل مبدع ومنتج في مجتمعه. نجمة واحدة يرسمها المعلم في دفتر طفل في الصف الأول كفيله بأن تقلب موازين ذلك الطفل حول نظرته لنفسه ومدى كفاءته, والعكس صحيح, حيث أن رمقه غضب من معلم لطفل لم ينجز واجبه بصورة صحيحة قد تكون كفيلة في التأُثير بصورة سلبية على نظرة الطفل لنفسه ومن ثم مستقبله. انتبه يا معلم الحلقة الأولى,, فهذه حقائق لا مبالغة فيها. من هنا نجد أن الغرب قد أولو هذا الجانب من حياة الطفل أهميه قصوى, حيث يتم تعريض المعلم للعديد من الدورات التدريبية المكثفة بالتعاون مع اختصاصيين نفسيين لكي يتم ضمان أن يتعامل المعلم بكل إيجابية مع الطفل في أولى مراحله الدراسية وأن يمنحه كل الحب والاحترام, فينشأ جيل واثق من قدراته محترم لذاته مما ينتج عنه جيل مبدع ومثقف.

هنا تعود بي الذاكرة لزميلة تعتبر من الطلبة المتميزين في احدى الجامعات الاسترالية في مجال الهندسة, حيث كنا في دردشة حول الاسباب التي أدت بها الى الالتحاق بمثل هذه الجامعة, حيث صدمت عندما علمت بأنها كانت من أقل الطلبة تحصيلا في المدرسة حتى الصف السادس من مرحلتها الدراسية, بالكاد كانت تنجح لتنتقل من صف إلى غيره. إلا أنه بفضل من الله ثم معلمة اللغة الانجليزية في الصف السادس قد تغير مجرى حياتها للأبد لتصبح مثالا يحتذى به لجميع طلبة مدرستها. تروي زميلتي قصتها قائله أنه في الصف السادس تم تغيير معلمة اللغة الإنجليزية بأخرى جديدة,, فكانت هذه المعلمة تمتدح واجبات زميلتي بالرغم من أن زميلتي كانت موقنة بأن واجباتها كانت الأسوأ في الصف كامل,,, إلا أنها بعد مدة من الزمن بدأت زميلتي تتأثر بثناء معلمتها وأخذت تدريجيا تستعيد ثقتها بنفسها مما دفعها لبذل جهد أكبر في تلك المادة حتى حصلت بجدارة على أعلى معدل على مستوى الصف السادس في مادة اللغة الإنجليزية بعد أن كانت تنجح بصعوبة. دفعها هذا الإنجاز إلى زيادة الثقة بنفسها و الاجتهاد حتى في باقي المواد الأخرى إلى أن أصبحت مثالا لجميع طلاب مدرستها في التميز الدراسي.

خلاصة قصة زميلتي أن هناك ركيزتان أساسيتان لنجاح كل إنسان في حياته, ثقته بنفسه وثقة المحيطين به كذلك. حيث أن ثقة من يراهم الطفل قدوة له به يبني ثقته بنفسه وأن كل ما يقوم به مميز ومبدع, وهنا يكون مستعدا للانطلاق والابداع حقا. ما إن يبدأ الطالب خصوصا في سنوات دراسته الأولى بأن يرى أننه قادر على الانجاز وأن انجازه ينال رضى قدوته حتى تترسخ ثقته بنفسه وتقوى شخصيته فيزداد الهامه واجتهاده. حتى سلوكياته الغير سوية تبدأ بالتبدل إلى سلوكيات أقوم متى ما شعر أنه منجز وينال على التقدير والرضى من قدوته أمام أقرانه, فهو يرى أنه أثبت نفسه أمامهم.

أخي المعلم, رسالتنا لك أن دورك غير مقصور في النجاح لتوصيل المعلومة الصحيحة للطالب فقط, دورك يتخطى ذلك بكثير, أنت تبني أمة بكل كيانها, ركيزتها الأساسية هي تعزيز ثقة الطالب بنفسه. إيمانك بالطالب الذي تراه أمامك مهما بدر منه من تقصير أو سلوكيات يلعب الدور الأعظم في إنشاء جيل مبدع, مفكر, ذكي ومحترم لذاته وللآخرين. لا بأس إن بدر تقصير من الطالب دراسيا أو سلوكيا لأننا نعلم أننه لكل فعل ردة فعل,, نعلم أن هناك أسباب دفعت به لذلك في حياته قد تملك أو لا تملك أحيانا القدرة على تغييرها. لكن ما تستطيع حقا أن تغرسه في ذلك الطالب كفيل بأن يطغى على المشاكل التي أدت به إلى التقصير وينتج منه شخصا إيجابيا لبقيه حياته بفضلك بعد فضل الله. لا تظهر الاستياء أو تخرج الكلمات التي تترسخ في أعماق هذا الطالب والتي سترافقه طوال سنين حياته,,, بحكمتك كن سببا في دفعهم للأفضل لا سببا لدحضهم للهاوية,,, وكلنا ثقة بأن أبنائنا في أيد أمينة.

أميرة مصبح القرينية

Image
مقالات ذات العلاقة