«التربية» تضع كرة تطوير التعليم في ملعب الميدان

الخليج: ذهبت القيادات التربوية أم بقيت، تغيرت الأنظمة التعليمية أم ظلت، زادت الأعباء أم نقصت، اتفقت الآراء أو اختلفت، سيبقى المعلم هو المحور الرئيسي لعملية التعليم، وفقاً لآراء عدد من خبراء التعليم على مستوى

العالم، إذ تعول النظم العالمية كافة على المعلم في بناء أجيال المستقبل، المتسلحين بالعلم والمعرفة، القادرين على محاكاة المتغيرات المتسارعة في القطاعات المختلفة، فبدونه تفقد العملية التعليمية أبرز وأهم أركانها، حتى لو توفرت لدينا أفضل وسائل التعليم والمناهج والمقررات الدراسية والبيئة التعليمية.

لما كانت خطة تطوير التعليم 2015 -2021، كان المعلم أحد أهم محاورها التي تعول عليها وزارة التربية والتعليم في الارتقاء بجودة المخرجات والنهوض بالتعليم في الإمارات.

والمتابع لمسارات تلك الخطة، يجد أن الوزارة ركزت على تأهيل وتدريب المعلم وفق أسس ووسائل عالمية حديثة، ليواكب المستجدات العلمية في قطاع التعليم، ويسجل حضوراً قوياً ضمن النظم التعليمية الأخرى، فكان برنامج التدريب المستمر الذي تأسس من أجل إعداد معلم الغد، فضلا عن تأسيس مجلس المعلمين الذي يتبع وزير التعليم مباشرة، ليفتح الطريق أمامه للمشاركة في صناعة القرار التربوي، ورصد احتياجات المعلمين في الميدان التربوي، وأخيراً برنامج رفاهية المعلم الذي تعكف الوزارة على إعداده، ولم تعلن عن تفاصيله بعد.

خيرة المعلمين وصفوتهم

تزخر الإمارات بخيرة المعلمين وصفوتهم، ممن يبذلون جهودهم ويتفانون في عملهم بمسؤولية، وآن الأوان لفتح المجال أمام المعلم، وتمكينه من الإسهام بفاعلية في توجيه منظومة التعليم نحو أهدافها… هذا ما وصل إليه حسين بن إبراهيم الحمادي وزير التربية والتعليم، ومضى قائلاً: إن الوزارة مع تشكيل مجلس المعلمين وتفعيله، ومجلس القيادات المدرسية القائم بعمله منذ بداية العام الجاري، تكون قد انتقلت إلى مرحلة مهمة من تكامل الأدوار والمهام والمسؤولية المشتركة.
وأكد أن تأسيس مجلس استشاري من المعلمين، يعد ترجمة حقيقية لتأكيد أهمية دور المعلم واستحقاقه في أن يكون شريكاً فاعلاً في رسم السياسات والتخطيط والمتابعة والتقييم، إلى جانب أدواره ورسالته النبيلة في الميدان التربوي، ونجاح جهود الوزارة، مرهون على الأداء المخلص للمعلمين ومستوى التفاني، وما يتحملونه من مسؤوليات وواجبات تجاه أبناء الدولة، الذين يستحقون من الجميع كل عناء، ويترقبون ممارسات تربوية وتفاعلاً علمياً أكثر رقياً، يساعدهم على رفع مستوى تحصيلهم العلمي.

وأوضح أن إعداد أبناء الدولة والأجيال القادمة للحياة والمستقبل، وإكسابهم مهارات القرن 21، وتهيئتهم لإدارة مجتمع اقتصاد المعرفة، يعد أمانة في أعناق الجميع، لاسيما أن قطاع التعليم يحظى بأهمية استثنائية في أجندة القيادة الرشيدة وتوجهات الدولة، نظراً إلى دوره البارز في المشهد العام للمضي قدماً في مسيرة التنمية والبناء والتعمير التي تتخذ من التعليم منصة فاعلة وأساسية.
وأفاد أن الهدف من تأسيس هذا المجلس يصب في إطار وضع اللبنات الأساسية لبناء المدرسة الإماراتية المستقبلية، وبهيأتها لتكون متفردة في هيكليتها وسياساتها وبيئتها التعليمية وعناصرها كافة ومخرجاتها التي أساسها ومحور اهتمامها الطالب، مؤكداً أن السنوات القليلة المقبلة هي المعيار لدينا للوصول بالمدرسة الإماراتية في الدولة إلى مراكز متقدمة وجعلها أنموذجاً يدرس ويبحث عنه الآخرون، وهو مطلب نعدكم بتحقيقه بمساهمتكم الفاعلة ومشاركتكم الوزارة أهدافها التعليمية الطموحة واصطفافكم خلف رؤانا وتطلعاتنا.

 وأكد أن الوقت قد حان لمشاركة الميدان التربوي في صنع القرار وتمكين المعلم ليأخذ دوره الريادي والمستحق كونه يعد الأداة والمحرك الأساسي لتطوير التعليم، والاستفادة من خبراته وآرائه التنويرية التي تصب في سياق إحداث الفارق الذي نبحث عنه في القطاع التعليمي.

وأوضح الحمادي أن وزارة التربية، وهي تمضي بثبات في تطبيق خطتها التعليمية 2015- 2021، ترى في المعلم شريكاً محورياً منوطاً به مسؤولية تطوير التعليم، وهي تعده لهذه الغاية النبيلة، وتعمل معه يداً بيد لنقل التعليم في الدولة إلى مصاف الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال، وبالتالي فإننا نستشرف آفاقاً رحبة من العمل الدؤوب الذي يخدم القطاع التعليمي بالدولة والذي يلقى كافة أشكال الدعم من القيادة الرشيدة.

وأضاف أن تطوير التعليم مرهون بمدى الإخلاص والتفاني والعمل الجاد من قبل عناصر الميدان التعليمي كافة، وتعاون أولياء الأمور الذي نقدر لهم دورهم الكبير وإسهاماتهم في تحقيق رؤيتنا الشمولية، والوزارة أخذت على عاتقها تطوير التعليم عبر الاستفادة والاطلاع على أفضل التجارب العالمية في هذا المجال، لافتاً إلى أن التحديات التي تواجهنا كبيرة ولكننا كفريق واحد قادرون على بلوغ أهدافنا وتجاوز أي عقبات، وصولاً إلى نظام تعليمي استثنائي، ومتطور نفاخر به دول العالم قاطبة.

تدريب المعلمين

كان تدريب المعلمين وتأهيلهم مساراً آخر ركزت عليه وزارة التربية والتعليم، في الارتقاء بالعملية التعليمية وتجويد المخرجات، إذ ترى خولة الحوسني ،مدير إدارة التدريب والتطوير المهني بالإنابة في الوزارة، أن البرنامج التدريبي التخصصي يسهم في تحقيق احتياجات النظام التعليمي وتوظيف مهارات القرن 21، واستهدف العام الجاري 12 ألفاً و 535 معلماً ومعلمة في مرحلته الرابعة والأخيرة، جرى تخصيص 164 مقراً لاستقبال المعلمين المنتسبين للبرنامج في مختلف إمارات الدولة.
وأكدت أن هذا البرنامج يعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو توفير فرص منهجية للتعليم المستمر للكوادر التعليمية في مختلف التخصصات، وتم تخصيص اليوم الأول للتدريب للتعرف على إطار المعايير الوطنية للمناهج والتقويم، الموحدة لجميع التخصصات، حيث إن كل تخصص يقدم التدريب بحسب خصوصيته.

آفاق واسعة

إن هذا التدريب يفتح للمعلم آفاقاً واسعة قبيل انطلاق العام الدراسي الجديد، ويزوده بالمفاهيم ومعايير التعليم، وكيفية إكساب الطلبة للمهارات والقيم التي تتناسب مع المعايير الدولية، هذا ما وصل إليه رائد رشيد الحاج المدرب ومدرس اللغة العربية، وذهب إلى أن البرنامج يسهم أيضاً في سد الفجوة بين التعليم العام والجامعي عبر تطوير معايير المناهج الدراسية والتقويم ومحاذاتها في المعايير الدولية، ويسعى إلى إيصال مفهوم مهم للغاية لدى المعلم وهو أن الالتزام بالنظام يحقق الجودة المطلوبة.
أما محمد أبو ملوح مدرب ومدرس لغة عربية، يرى أن هدف البرنامج يكمن في إعداد معلمين قادرين على النهوض بالعملية التربوية وإعداد طلبة على قدر عال من الإبداع وتحقيق الإنجاز سواء على الصعيد العلمي أو أي نتاج أو قيمة أو سلوك يكون للمعلم بصمة واضحة فيه، ويفرز جيلاً متعلماً وفق معايير عالمية.
ولفت المتدرب ومعلم اللغة العربية حسين الياسي إلى أن التدريب يعد خطوة مهمة في الارتقاء بالمدرس كونه يتعرض إلى سيل من المعلومات يقدمها مدربون ذوو كفاءة وخبرة وبذلك تكون الاستفادة جيدة، فضلاً عن الاطلاع على آخر المستجدات على الصعيدين التربوي والتعليمي.

خطوة غير مسبوقة

وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ وزارة التربية والتعليم، تتجه الوزارة إلى استقطاب مجموعة من أكفأ المهندسين المواطنين والخريجين حديثاً من أعرق الجامعات داخل الدولة وخارجها، للانضمام لسلك التدريس، والعمل في مدارس الدولة، في واحدة من الخطوات غير المسبوقة في تاريخ الوزارة، والتي تستهدف منها، فتح المجال واسعاً أمام أبناء الإمارات للتسلح بأفضل العلوم والمعارف، وخاصة العلوم الهندسية والرياضيات، وغير ذلك من المجالات التخصصية المستقبلية.
وأعلنت الوزارة أنها لن تألو جهداً في تمكين أبناء الإمارات من مهارات القرن 21، وأدوات العصر، ليكونوا أكثر استجابة لمتطلبات الدولة واحتياجاتها الداعمة لمجتمع اقتصاد المعرفة، وأشد تأثيراً بعلومهم وقيمهم في خريطة التطور المذهل الذي يشهده العالم في شتى المجالات والتخصصات.
وذكرت أن ما تشهده الإمارات من تطور سريع على الأصعدة كافة، وما تتطلع إليه، ولاسيما توجهاتها نحو الدولة الذكية والفضاء وعلومه، كل ذلك فرض بدوره تحديات جديدة تتصل مباشرة بإعداد الطالب ونوعية ومستوى تأهيله، ومن ثم أصبح من الضروري الخروج عن الأنماط المألوفة للتعليم، والتي تقتصر عملية التعلم فيها على أطر محددة من النظريات والممارسات، التي قد لا تتسع للقدرات الخلاقة للطلبة وإبداعاتهم وابتكاراتهم.
وأوضحت أنه من أجل ذلك حرصت على توسيع نطاق تخصصات أعضاء الهيئة التدريسية، والتوجه نحو ضم عناصر مميزة من المهندسين وخاصة المواطنين، الذين ستكون لهم الأولوية في التعيين، والمشاركة في إعداد أبناء الدولة للحياة والمستقبل، وفق منهجية علمية، تتفق في مضمونها ومبادئها الأساسية مع أهداف رؤية الإمارات
( 2021 )، وما أكدت عليه الأجندة الوطنية، من ضرورة الوصول إلى إماراتيين مبدعين في جميع التخصصات، ولاسيما العلمية منها.
وأكدت الوزارة أن استقطاب المهندسين للعمل في مهنة التعليم، سيتم وفق رواتب وحوافز مجزية، مشيرة إلى أن الاستقطاب ليس غريباً في نظم التعليم المتقدمة، وهو يمثل إضافة قوية، للمدارس والنظام التعليمي بوجه عام.

أجيال تحاكي المستقبل

في المقابل أكد عدد من المعلمين والمعلمات في الميدان التربوي ل«الخليج»، ضرورة التغير من أجل التطوير، لمواكبة المتغيرات العالمية في قطاع التعليم، من خلال التمكين من الوسائل التعليمية والمستجدات التي يشهدها هذا القطاع العريق، لاسيما الخاصة بالمعلم، مشيرين إلى دعمهم لمسيرة وجهود وزارة التربية لتطوير التعليم.
وقالت نانسي أتايل الفائزة بجائزة أفضل معلم على مستوى العالم إن كلمة السر لبقاء المعلم في المنظومة التعليمية تتبلور في «التدريب المستمر»، مثل الطبيب المقيم، وهذا ما فرضته المتغيرات العالمية الحديثة في هذا القطاع العريق، وعلى المعلمين أن يتعلموا من زملائهم النابغين الذين سبقوهم في المهنة، ولديهم خبرات تستحق الاستناد إليها، ويدركوا قيمة ما يعود عليهم من فائدة في تبادل الخبرات التي تساعدهم في مجال عملهم وتعاملهم مع الطلاب.

حتمية مواكبة المتغيرات

من جانبه، أكد المعلم أيمن النجار جهود الوزارة في تطوير العملية التعليمية، وتنمية مهارات المعلم، ودعم مسيرته المهنية، ولكن يبقى أكثر معوقات المعلم اليوم التي تتمثل في كيفية المحافظة تطوير مهاراته، في ظل الزحف التكنولوجي، وحتمية مواكبة المتغيرات من أجل البقاء، حيث تمثل التكنولوجيا اليوم منافساً قوياً لاستمرارية المعلمين في العملية التعليمية بعد نجاحها في أداء العديد من مهام المعلم.

Image