الإتحاد: حسناً فعل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية باختيار ملف الابتكار وإنتاج المعرفة ليكون محور المؤتمر السنوي الرابع للتعليم، والذي جاء تحت عنوان “مستقبل التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة”.
فالإمارات اليوم، وهي تشق طريقها نحو العالمية بخطى واثقة، حققت المراكز الأولى عربياً والمراكز المتقدمة عالمياً في نواحٍ مختلفة من مجالات الحياة، بيد أننا في إطار التعليم، لازلنا أسرى لأنظمة تقليدية لم تتمكن إلى اليوم من كسر إطار
مرجعياتها التي نشأت عليها. أنظمتنا التعليمية تغلب عليها ظاهرة الفقاعات التجديدية الطارئة التي تتبخر مع تغير المثير، مما جعل مدارسنا محاضن جيدة للتجريب التربوي. ومن يدرس عدد المشاريع التربوية التي نفذت في العقد الأخير في دولة الإمارات يعرف مدى الضياع الذي تُهنا فيه.
ولا يدرك المأساة التي أكتب حولها إلا من هم في ميدان التربية والتعليم وبالذات المعلمين ، فعدد الخطط التي طلب منهم تحضيرها، والمناهج التي مرت عليهم، جعلتهم ضحايا مثل التلاميذ تماما ، فهناك مشاريع تلغي المناهج التعليمية أو تجمدها تحت شعار المخرجات التعليمية أهم من الحقائب المدرسية. وهناك خطط تقول لا للتقويم التربوي، لكنها لاتطرح البديل المناسب، قرارات اتخذت لتدريس المواد العلمية والرياضيات باللغة الإنجليزية، فتحول الفصل الدراسي إلى غرف للترجمة وليس للتعلم . هناك دمج لأصحاب الإعاقات البسيطة دون الأخذ بمتطلبات ذلك الدمج، وكأنهم جيل يُراد التخلص منه بتذويبه بين جهتين مختلفتين، تعليمنا مر بالمركزية المطلقة، ثم تحرر منها إلى اللامركزية المعطلة. وتوجد مدارس للغد وأخرى للمستقبل وثالثة نموذجية وأخرى عالمية، ولو أضفنا إلى كل ماسبق التزوير التربوي الحاصل في بعض المدارس الخاصة، والتي رفعت شعار أدفع تنجح، لأدركنا لم نحن بعيدون جداً عن الابتكار وإنتاج المعرفة.
أرجو ألا يفهم مما كتبت أنني ضد التطوير، أو أنني من أصحاب النظارة السوداء، التي لا ترى النور الساطع، فمن يعرفني يدرك مدى التفاؤل الذي أحمله، وكذلك الشفافية في طرح مثل هذه القضية.
أرجو ألا يفهم المسؤولون عن التعليم أنني أحملهم المسؤولية، فكلنا ذلك الإنسان المجتهد في درب الإحسان من أجل الأوطان، لكن للتخصص دور لابد أن يسأل وللتطوير التربوي مناهج لابد أن تتبع، لو قارنا التجديد في الإمارات في العمران مثلًا لأدركنا لم لا يتحقق ذلك في الإنسان. السؤال الذي لم نتمكن من الإجابة عنه إلى الآن هو: من نحن؟ وماذا نريد؟ بالرغم من بساطة السؤال إلا أنه يحدد توجهات المستقبل للإمارات في الإطار التربوي لأنه سؤال مصيري.
هل نريد الإنسان العالمي الذي ليس له انتماء وطني! هذا واقع ملموس اليوم في بعض مدارسنا. هل نبحث عن الإنسان العربي المنقطع عن زمانه المنتمي إلى مكانه، هذا توجه موجود عند البعض. هل نريد علماً لا قيم فيه، أم قيماً لا علم معها. توجهات اعتقد البعض أن الجمع بينها صعب، وأن الاختيار بينها واجب، لكن الدول التي انتجت المعرفة تعلمنا دروساً لابد من استيعابها ومن ذلك الفرق بين تدريس اللغات الأجنبية، وهذا أمر مطلوب عالمياً وبين التدريس باللغات الأجنبية، لم أجد دولة انتجت المعرفة بغير لغتها القومية، تجربة كوريا واليابان حاضرة للدراسة من قبل أولي الأذهان. والدرس الآخر أن التعليم الجيد مُكلف، ومن لا يصدقني ليجرب الجهل.